وائل المنسي يكتب:سردية شفوية من سراديب النكسة

{title}
نبأ الأردن -
مرة أخرى ٤
جدتي لأمي لطيفة علي سلامة ابداح، في إربد وخالتي حورية معها وأطفالها الثلاثة، وكانت المناطق المحاذية لبيتهم أكثر عرضة للقصف الجوي والمدفعي، وأكثر من عمان.
وكانوا يختبئون مع جيرانهم في ملجأ جدي لأبي، أما الباقون من أهل إربد يختبئون في الملاجئ العمومية التي كانت منتشرة في الأحياء الرئيسية وتتسع لأعداد كبيرة من البشر.
وقد دخلت هذا الملجأ أكثر من مرة لاحقا وأنا طفل عائدين من السعودية مع والدي ووالدتي في حرب الاستنزاف مع الصهاينة، وفي حرب 1973، وأتذكر هذا الملجأ جيدا حيث ننزل له درجا تحت الأرض وبمساحة غرفتين تقريبا وفوقهما رمال وتراب وفيه ميلان في آخره فتحة تهوية على شكل برميل مفتوح من الجهتين، وأذكر أيضا أني كنت نائما بحضن أبي الذي كان نائما بجوار فتحة التهوية المائلة، وانفجرت قذيفة صهيونية بالقرب منها وأصابت الوسادة تحت رأس أبي بعض الشظايا لكن الله سلم.
وكان جدي لأبي لا ينزل إلى الملجأ إلا قليلا، فكان لا يخاف من القصف وكان يحضر الطعام لهم، ويدخن الهيشي الذي كان مدمنا عليه.
وعودة لأجواء حرب الأيام الستة، جاء زوج خالتي آمال، "سليمان حبايب" إلى إربد من عمان بسيارته المرسيدس السوداء التي كان يملكها ويعمل عليها على خط عمان رام الله القدس، لأخذ حماته (جدتي لأمي) وخالتي الكبرى حورية وأطفالها الثلاثة رائدة ورائد وباسل الحموري، حيث كان زوجها أبو رائد الحموري يعمل في الكويت.
وجاء ليلا لأن التحرك في النهار يكون هدفا لطائرات العدو الصهيوني، وتحرك إلى عمان في نفس الليلة السابع من حزيران مع إطفاء أنوار السيارة لنفس الأسباب، والمشي على الطريق الملتوي والوعر وخاصة عند المرور بجرش، وكانت كثافة السير على الطريق عالية وجزء كبير منها سيارات عسكرية، وكانت بعضا تتصادم مع بعضها لكن بسبب المشي بالعتمة وببطء لا تتأذى ولا تتوقف، وإذا بسيارتهم تنحرف عن الطريق وتنزل إلى الوادي الجانبي وتصدها أشجار السرو وتتعطل السيارة.
نزلت العائلة بخير مع بعض الرضوض البسيطة، متجهة إلى الشارع العام، وبستقلون بعدها شاحنة متوسطة الحجم ولها شادر وركبوا في الخلف.
قبيل الفجر وصلوا مشارف عمان وعند جسر النشا (المحطة) قبل وصولهم بقليل إلى الهاشمي الشمالي حيث تسكن خالتي آمال وزوجها سليمان حبايب، انقلبت الشاحنة من فوق الجسر على الماء تحته، الأطفال خرجوا سالمين، وجدتي تعرضت لرضوض وجروح وعينها تعرضت لإصابة بليغة، وخالتي حورية تعرضت لجروح وكسور أبرزها كسر عرضي في الفخذ وفقدتا الوعي، وزوج خالتي قفز من الشاحنة قبل أن تسقط والسائق توفاه الله.
تم نقلهم إلى المستشفى العسكري في ماركا واسعافهم.
وجاء والدي من السعودية - حيث يعملان - بعدها بشهر ونصف تقريبا، وأمي كانت حاملا بي، " حيث ولدت في مستشفى راهبات الوردية في إربد في شهر أغسطس آب، أي بعد الحرب بشهرين، ورجعنا إلى السعودية وأنا باللفة وعمري عشرين يوما. 
وكبرت وكان لدي الشغف وما زال بمعرفة خبايا وأحداث النكسة وكيف كانت هزيمة قاسية ومخيبة ل 3 دول محيطة، خسرت أراضيها التي كانت ومازالت من أقدس الأقداس للعرب والمسلمين، قرأت وسمعت السرديات الشفوية من أجدادي وأقربائي ومن عسكريين كبار لاحقا بعد تقاعدهم وقرأت الكثير أثناء دراستي الجامعية ومذكرات لصحفيين كبار مثل محمد حسنين هيكل وغيرهم من الأجانب والروايات الغربية والصhيونية، ولم أقتنع بعد بالمبررات.
5 حزيران ذكرى حزينة، كانت فنا من فنون صناعة الهزيمة العربية، و تخريب الوجدان العربي. 
مضت دون أدنى مساءلة.
#وائل_منسي
تابعوا نبأ الأردن على