وليد عبد الحي يكتب: كيف ننظر للمشهد التركي ؟

{title}
نبأ الأردن -
بعد الجولة الثانية في الانتخابات التركية الرئاسية فاز الرئيس أردوغان فوزا واضحا لم يتشكك احد في نزاهته ، وسبق ذلك تعزيز مقاعد الرئيس الفائز في السلطة التشريعية ، مما يؤكد اتساق الفوز الرئاسي مع الفوز التشريعي.
من جانب المعارضة التركية ، فقد شكل تقبل المعارضة للنتائج دون اي تشكيك في المسار الانتخابي او في صحة النتائج ، ما يعزز أصالة موقف المعارضة ،لا سيما ان خصم أردوغان في هذه الانتخابات وهو كليجدار أوغلو ساند أردوغان في رفض الانقلاب العسكري عام 2016، مما يعطي انطباعا لا لبس فيه على معارضة نزيهة ووطنية ، اما الاختلاف في الاجتهادات السياسية لادارة شؤون الدولة فهذا من ضرورات الحياة السياسية.
ذلك يعني ان الديمقراطية تتأصل في الشرق الاوسط  " بمستوى أو آخر"، ولكن في الشرق الاوسط غير العربي، فالديمقراطية التركية شاخصة امامنا، وفي ايران عرفنا منذ 1979 ما مجموعه ثمانية رؤساء جاؤا من خلال الصندوق،وفي اسرائيل نشاهد انتخابات لا تشكيك فيها من اي طرف في اطراف المجتمع الاسرائيلي ، اما في  العالم العربي نُصِرُ على نموذجين لا ثالث لهما هما نموذج   " الحيوان المنوي "  من ناحية او " الأحذية الثقيلة" من ناحية أخرى.

من زاوية أخرى ، هل ينظر العرب المحرومون من الديموقراطية الى التجربة التركية بموضوعية؟ فقد انقسم العرب الى تيارين ، احدهما يغلب عليه التيار الديني الذي يعلي من شأن الخطاب الديني في أدبيات اردوغان على حساب البعد العربي في سياسات اردوغان  الفعلية، فهذا التيار –وهذا حقه- يستثمر فوز اردوغان وقبول المعارضة بالنتيجة ورفض حكم الاحذية الثقيلة للمقارنة بين ما يجري في العالم العربي وبين التجربة التركية، فبعد ان وقفت اكبر دولة عربية على باب الديمقراطية ، اجتثت الاحذية الثقيلة بذرة الديمقراطية ، وصفقت لها معارضة  عربية كيدية موهومة بعلمانيتها، وتكرر المشهد وما زال يتكرر في اكثر من دولة عربية.

ولكن النظرة المتوازنة تقتضي الوقوف ايضا عند  ازدواجية الخطاب الديني السياسي لانصار اردوغان في العالم العربي، فهم يغضون الطرف عن :
أ‌- ان اردوغان متشبث بعضوية حلف الناتو "المسيحي" الذي تدخل في الدول العربية عسكريا مغتصبا حتى أدنى درجات السيادة.
ب‌- ان اردوغان يعترف باسرائيل وهو شريكها التجاري الاول وشريكها السياحي الاول شرق أوسطيا ،وله معها 12 اتفاقية أمنية ناهيك عن تعاون في مجال التسلح بيعا وشراءً
ت‌- ان اردوغان يحتل حاليا اراض عربية ويتدخل بطائراته في اراض عربية أخرى.

والسؤال الموضوعي هنا هو: هل كانت أدبيات الحركات الاسلامية العربية تغض الطرف عن مثل هذه العلاقات التركية الاسرائيلية لو كان خصومها في العالم العربي سلكوا ذات المسلك الأردوغاني  مع اسرائيل ؟ وهنا تتبدى أولوية الخطاب على السلوك في موقف انصار اردوغان من العرب، فهم يرفضون التطبيع العربي مع اسرائيل، ولكنهم لا ينبسون ببنت شفة على العلاقة العميقة بين تركيا واسرائيل في ظل اردوغان..فلماذا؟
وبالمقابل، لماذا تغض الانظمة العربية ابصارها عن نموذج نظام سياسي تركي تمكن من تأصيل الديمقراطية في مجتمعه، وتمكن من تكريس المنافسة النزيهة ، بل وتفوق على كل الانظمة السياسية الديموقراطية في نسبة المشاركة الانتخابية؟ ولماذا لا تفهم المعارضة العربية لماذا وقفت المعارضة التركية ضد حكم الاحذية الثقيلة وساندت خصمها السياسي عندما انقلب العسكر عليه ؟ لقد قال كاليجدار اوغلو حرفيا في يوليو 2016 " سندافع عن الديمقراطية فقد عانت تركيا من الانقلابات"، بل ان  البعض من قيادات المؤسسة العسكرية التركية وقف ضد الانقلاب،لان الثقافة الديمقراطية تأصلت أكثر من الثقافة الكيدية .
وهنا تتجلى مفارقات السياسة العربية، فنحن لا نختلف فكريا مع بعضنا، مع أن الخلاف الفكري امر بديهي وضروري ، بل نحن" نكره " من يختلف معنا في الرأي ، فقد صفق العلمانيون العرب لتحطيم اكبر الاحزاب العربية الدينية لأنهم " يكرهونها بذريعة الخلاف معها"، وما زالت الاحزاب الدينية العربية تلعن جمال عبد الناصر ليلا نهارا بعد موته بأكثر من نصف قرن ، لكنها لا تجرؤ حتى على مساءلة اردوغان عن "أطلسيته" أو عن تجارته وسياحته واتفاقاته الامنية مع اسرائيل، فها هي اسرائيل تهود الاقصى وتهود " الذي باركنا حوله" دون أن نسمع اي نقد لهذا ...لماذا؟ اليست هذه ازدواجية؟
ان ثقافة الاختلاف أمر ضروري، لكن غلبة الثقافة الكيدية والتصيد في المواقف بل وازدواجية هذا التصيد لن تفضي إلا لمزيد من التخلف والأنهيار...
في الخلاصة أقول وبوضوح تام  ، لو كنت أنا مواطن تركي لانتخبت أردوغان دون اي تردد ، ولكن لاني مواطن بنت اسرائيل على ارضه مستوطنات ، وحرمتني رؤية اهلي وقريتي ، وتعمل على هدم الاقصى وتهويد ما حوله، وتفسد في الارض كلها، سابقى ضد سياسات اردوغان العربية والشرق اوسطية..فمتى ننظر لمصالحنا من خلال منظارنا لا من خلال منظار الكيدية والكراهية المقيتة..؟ أنا مع اردوغان التركي ولست مع أردوغان الشرق اوسطي..
تابعوا نبأ الأردن على