د.منذر حوارات يكتب: بين قمتين هيروشيما وجدة
في نفس الوقت تقريباً عقُدت قمتان واحدة استمرت لبضع ساعات في جدة قمة العرب والثانية لبضعة أيام في هيروشيما قمة الدول السبع، في الأولى بذلت المملكة العربية السعودية كل ما لديها من سخاء لتحيط الضيوف بمظاهر كرم استثنائية قلّ نظيرها، بينما في هيروشيما لم تتغير تلك الطاولة المستديرة المتقشفة عن سابقاتها، رغم أن هذه الدول تستأثر ب ٦٠٪ من صافي الثروة العالمية ٣١٧ تريليون دولار ونسبة ٣٢٪ من الناتج المحلي الإجمالي، بينما المجموعة العربية هي اقل من ذلك بكثير، في حين أصدرت قمة السبع في هيروشيما قرارات واضحة وضوح الشمس حول أسس النظام الدولي وأرسلت رسالة لا لبس فيها للدول المتحديه له مثل روسيا والصين وبدأت بتنفيذ خطوات واضحة تجاههما إما المواجهة أو القبول بالنظام الدولي المبني على القواعد .
بينما في هيروشيما كان المتحدثون يدخلون مباشرة في صلب القضايا المطروحة على جدول الأعمال ويبدي كل طرف وجهة نظره مع فرصة واضحة للإختلاف والنقاش والأخذ والرد، أما في قمة العرب كانت الكلمات مكررة شديدة البلاغة تتحدث عن القضايا المطروحة بشكل عام دون الدخول في التفاصيل ربما كي لا يحدث أي خلاف فمن المعلوم أن الشيطان يكمن في التفاصيل لذلك كان الحديث والكلمات رابطة الجأش ومكتوبة بعناية هائلة، هناك في هيروشيما كان حدثان رئيسيان روسيا والصين وأسس النظام العالمي، بينما في جدة كانت مجموعة هائلة من الأحداث، أولها القضية الفلسطينية والتي وعد العرب بحلها منذ ٧٥ عاماً، وسوريا العائدة حديثاً واليمن والعراق والسودان وليبيا والتنمية والغذاء وسلاسل التوريد كل تلك كان من المفترض في الجامعة العربية أن تجد حلولاً لها .
استجابت الصين لقمة هيروشيما بعقد اجتماع اسيوي تحسباً لقرارات السبع، بينما عَقدت حكومة الاحتلال اجتماعها الحكومي في احد اقبية القدس العتيقة وانتهك بن غفير حرمة المسجد الأقصى لمرات عديدة، وكأنها تقول لا أبالي بكم أو بقراراتكم، اما البند الثاني فهو عودة سوريا المظفرة والتي كان يفترض ان مقررات اتفاق عمان التي عُرفت بالخطوة خطوة هي التي قادتها الى هنا ولكن المفاجيء ان الاعلان لم يذكر شيئاً عن هذا الاتفاق ولم يتحدث إلا في الإطار العام البلاغي تماماً والأشد غرابة أن الرئيس السوري حينما القى خطابه نسف تماماً مقررات لقاء عمان عندما قال بكل وضوح ونصاً (والأهم هو ترك القضايا الداخلية لشعوبها فهي قادرة على تدبير شؤونها وما علينا إلا أن نمنع التدخلات الخارجية في بلدانها ونساعدها عند الطلب حصراً) وهذا الكلام للرئيس السوري واضح لا لبس فيه وهو ينسف تماماً مقررات اتفاق عمان ويجعل عودة الرئيس السوري للجامعة بمثابة لحظة لإعلان النصر لا تُعلق ابداً بشروط، اما فيما يخص السودان فالجامعة انحازت للجيش النظامي ولكن البيان كان غامضاً وعاماً تجاه الأطراف المتدخلة فيه رغم انها معلومة وتدعم بالمال والسلاح لكن الجامعة ارتأت أن يكون خطابها مغلفاً بعمومية مقصودة، ومثل هذا الأمر انطبق على اليمن ولبنان وكذلك ليبيا، فلم يخرج الكلام عن التمنيات والعموميات .
رغم أن المملكة العربية السعودية استخدمت كل ما لديها من ثقل سياسي ومعنوي لتخرج القمة بدون خلافات تؤثر على الحالة العربية المستجدة وكأنها تعاملت مع الاسياد العرب كالمؤلفة قلوبهم يجب التغاضي عن بعض سلوكياتهم كي يسير الركب خوفاً من أن تنسف الخلافات القمة وتطيح بما يعرف بالاجماع العربي، بينما قمة القادة في هيروشيما أتاحت للمجتمعين مجالاً واسعاً للإختلاف لمرات عديدة طالما أن ذلك يخدم الهدف النهائى، فهناك تجتمع المؤسسات يقودها افراد، بينما هنا يجتمع اسياد يقودون أمة وهذا هو الفرق .

























