د. ماجد الخواجا يكتب: أما آن الأوان لإيجاد حل لجسر الانتحار
لم يكن في وارد القائمين على إنشاء الجسر البانورامي الجميل الذي سمّي بجسر عبدون ويربط بين جبلين متقابلين من جبال عمان الجميلة، وهو يعتبر تحفة فنية بحق من حيث الموقع والتصميم، هذا الجسر أصبح رمزاً للتشاؤم والوجع والحزن، عندما سمعت وقرأت أن عدد المنتحرين عن هذا الجسر يقارب 400 محاولة منها عديد قد توفاها الله، فيما كان يتم إنقاذ أو العدول عن الإنتحار في آخر لحظة.
كيف أصبح جسر عبدون مكاناً مفضلاً للإنتحار، فارتفاع الجسر ليزيد عن 13 متراً كما فهمت، وهو ارتفاع ليس بالكبير الذي لا يمكن التعامل معه بطريقةٍ احترافية تنهي المأساة التي أصبحت تفقأ وجداننا واعيننا كل يومٍ بواقعةٍ جديدة لانتحار أو محاولة انتحار.
جسر أضفى على المكان لمسات جمالية لا تخفى، وزاد من حيوية الموقع بما يسرّ ويبهج المارين فوقه، لكن مع تكرار الانتحار عن هذا الجسر، فقد أخذ شكلاً حزيناً قاتماً محملاً بالذكريات الأليمة الموجعة.
حين أمر فوق الجسر أحاول النظر إلى الجانبين منه، وأستغرب كيف استمرت محاولات الانتحار تباعاً دون ان تفكر الجهات المعنية وخاصةً أمانة عمان بصفتها أنها صاحبة الولاية على المرافق والبنية التحتية للعاصمة عمان، بأن توجد حلاً جذرياً ليس يحدّ فقط من محاولات الانتحار، بل يمنعها تماماً عن هذا الجسر الجميل الذي ظلمناه بما نقترفه فوقه وتحته.
ألا توجد حلول عملية فنية وتجارب عالمية يمكن الاستهداء بها في إعاقة عمليات الانتحار فوق الجسر، مع الاحتفاظ بجمالية وجاذبية الجسر،ثم لماذا هذا الجسر بالذات يطيب للمنتحرين أن يمارسوا هواياتهم الانتحارية عليه؟
لقد مررت عبر جسور أطول وأعلى من جسر عبدون، حيث كانت محميةً من الجهتين بسياج حديدي قوي لا يمكن لأي مشروع انتحار أو مغامرة قفز ان تتم عليها. فيما للأسف لم أشاهد مثل هذه الحمايات والحواجز على جسورنا وآخرها جسور دوار المدينة الرياضية التي يوجد علامات استفهام حول مستويات السلامة المرورية للمركبات عليها نتيجة الالتفاف والانعطافات العالية الحادة.
كنا نبتهج حين نرى مشروعاً لإقامة نفق أو جسر علوي باعتباره سيعمل على حل لمشكلة مرورية هنا أو هناك، لكن لم نتوقع أبداً أن نحزن أو نتوجع عند مشاهدة بناء نفق أو جسر جديد.
المطلوب بشكلٍ مباشرٍ وواضحٍ إعادة دراسة كافة النقاط المرورية خاصةً الجسور والأنفاق وربطها بإعطاء الأولوية للسلامة المرورية وتحرّي وضع الموانع الكافية لمنع محاولات الانتحار التي تدمي القلوب قبل العيون.
نريد لجسر عبدون أن يعود لألقه وإنسانيته وعدم توحشّه أو ترحيبه بقوافل المنتحرين، فقط يكون مشرّعاً لمن يحتفون بالحياة والأمل والفرح.
لسنا في صدد الحديث عن أسباب الانتحار فهذا يتطلب دراسات وأبحاث اجتماعية ونفسية وربما سياسية واقتصادية. لكن الحديث عن المحافظة قدر الإمكان على أرواح البشر، ربما هناك من سيعاتبني على أنني أغلق حتى أبواب اختيار النهايات البائسة على من يريدون مغادرة الحياة، لكن رغم كل شيء فالانتحار ليس حلاً مهما بلغت المأساة الحياتية. وهو أيضاً يصم الأماكن والمواقع كما هو حال جسر عبدون بصفاتٍ ليست منه ولا علاقة له بها، فيصبح الجسر المشؤوم أو جسر التنهدات أو جسر الدموع أو جسر الخوف، فيما الحقيقة أنه مجرد جسر للوصل وتسهيل النقل والحياة.
إنها رسالة لكافة المعنيين بضرورة القيام بالإحراءات الكافية على الجسور لمنع محاولات الانتحار عليها.

























