علي سعادة يكتب : عندما كانت النظرة "رسالة"

{title}
نبأ الأردن -

في تلك الأيام "كانوا يخبئون النظرة" كانوا يعيشون عليها أياما وليالي، يمضون الساعات وهم يحدقون في الفراغ، وكانت تلك النظرة الخاطفة الخجولة، ترسم على وجوههم فرحا غامرا، كأنه بستان أنبت من كل زهر بهيج.
كما يقول الأخوين رحباني وفيروز :"لفتة من بعيد بتكفيني وقلبي إلك على طول".
أدركنا زمانا كانت النظرة فيه رسالة وكلام كثيف لا يقال، كانوا يخبئون الوردة بين صفحات الكتب، ويضعون الرسائل في فراغ في الجدار المقابل لشباك الحبيب، وكان يوضع شريط الكاسيت على حافة الجدار حتى يمر الحبيب بحذر شديد ليأخذ ما ترك له من أشواق ولهفة، وشريط العندليب "أنت أحلى الناس في نظـري… جل من سـواك يا عمـري".
كان الكلام كأنه تصوف وعشق خفي لا يعرف أسراره إلا من كابد مرارته، همس الروح للروح، كل الكلام كان عالقا في الصدر بين النطق ودقات القلب، كان هناك حب كبير وكلام قليل، ثم أصبح هذه الأيام حب قليل وكلام كثير.
كأنه الشاعر عمر الأنسي يقول:
فلما رآني العاذلون متيما.. كئيبا بمن أهوى وعقلي ذاهب
رثوا لي وقالوا كنت بالأمس عاقلا.. أصابتك عين؟ قلت عين وحاجب .
كان الحب يولد وينتهي دون كلام، أحيانا بأقل الكلام.
هذه الأيام يكثرون من الكلام والنظرات واللمس والأحضان بينما تعاني الروح من خواء، كيف بإمكان حسن شاكوش وحمو بيكا ومحمد رمضان وصانع محتوى سمج إثارة مشاعر الشوق واللهفة والرغبة!! بينما كان عشاق زمان يحفظون من كتاب البلاغة لمادة اللغة العربية قصيدة أبو صخر الهذلي:
تكاد يدي تندى إذا ما لمستها.. وينبت في أطرافها الورق الخضر
وإني لتعروني لذكراك هزة كما… انتفض العصفور بلله القطر.
حقا كانت أيدي العاشقين تورق إذ ما لمست كتابا استعارته يد الحبيب من المكتبة العامة، أو لمست وردة قطفت من حديقة الجيران بيد مرتعشة، أو شريط "أمل حياتي" الذي لف بمنديل حرير معرق بالزهور.
كان الجميع يتأقلم مع الغياب ويتوقعه ويرى فيه طيف الحبيب.
علي سعادة


تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير