د. ماجد الخواجا يكتب: إنه تنمّر اجتماعي وليس عنفا جامعيا

تعاني جامعاتنا منذ بداية ما سميّ بالربيع العربي من مستويات مرتفعة من العنف والتنمّر والاستقواء بين بعض فئات الطلبة، عنف يبدأ بقصة أو سوء فهم بين طالب وطالب، ليتأجج ويصل ذروته عندما يتم إقحام العشائرية وانتهاء بالمناطقية دون أن يفهم أحد ما الذي حصل وما الذي استدعى الوصول إلى التحشيد الجماعي والغاية من ذلك.
لو أستطيع الوصول لإفادات الطلبة المشاركين في حملات وحفلات العنف الجماعي لا الطلابي، لا أستغرب أن نقرأ من قبيل أن الطالب وجد نفسه وسط معمعة المشاجرات وهو لا يعرف سببها ودوافعها، فقط مجرد صرخة الردّة المجتمعية وأنه مضطر لذلك بحكم القرابة أو العشيرة أو المنطقة، وأنه دخل وخرج من المعركة ولم يكلف نفسه مجرّد معرفة الأسباب ناهيك عن النتائج.
حين سألت طلبة المادة التي أدرسها عن وجهة نظرهم في مشاجرة كانت قد حدثت قبل دخولنا للمحاضرة، تفاوتت إجاباتهم وآرائهم وعدم قبولهم لهذا المشهد المتخلّف وغير الحضاري ولا الإنساني، لكنهم أجمعوا على أن الخلل جماعي ويتمثل في زرع الوعي بأن كسب رضى الدوائر الفرعية للطالب أهم وأكثر أولوية من الدوائر الوطنية الكبرى والرئيسة. فالولاء أو إبداء الالتزام بقواعد فرعية لها مردود وأثر مباشر وسريع يظهر في التقبّل الاجتماعي للطالب وإكسابه نوعاً من الحماية المفترضة والوهمية التي في حال استدعت الظروف اللجوء إليها كانت المبادرة للدعم والإسناد.
لن أخوض في عوامل ومتغيرات ذات صبغة أكاديمية بحتة كأن يتم الإشارة إلى أن المشاجرات في غالبيتها تكون بين طلبة كليّات بعينها أو في تخصصات محددة أو بمستويات دراسية وغيرها من العوامل، فقد أجريت عديد من الدراسات والتقارير وخلاصات لندوات تناولت ما يدعى بالعنف الطلابي، لكن لم يظهر أثر لنواتجها على الحدّ من هذا العنف المجتمعي، ليس لقصور فيها، وإنما لوجود تربة خصبة تعزز وتشجّع وتغذّي مثل هذا العنف العشوائي الذي يبدأ وينتهي دون التوقّف على أسبابه ونواتجه بسبب حجم العبثية والفوضوية غير المنظمة لتلك الأفعال.
طالما بقيت الحواضن الاجتماعية تدعم وتحمي هذه الفئات التي تفتعل أية قصص أو روايات في سبيل إحداث مشاجرات وتخريب وترويع لبقية الطلبة الذين هم الغالبية ويرفضون هذه الممارسات بكافة أشكالها ومهما كانت الذرائع، فهي مجرد استقواء على الغالبية وعلى القوانين والأخلاق السائدة وعلى مفهوم الحرم الجامعي.
ربما الحاجة ليس في تغليظ العقوبات أو فصل الطلبة المشاركين في العنف، لأن القضية اجتماعية وعفوية لا تنتظم تحت أية أشكال اجتماعية او حزبية او عشائرية، لكنها تأخذ من كل مجال طرف ما، فأصبحت شكلاً معتاداً ومألوفاً مع التكرار ومع الألفة لردود الأفعال الناتجة عنها.
إنه مشهد معيب حقاً يشوّه الفعل الجامعي والحرم الأكاديمي وسمعة التعليم العالي وتنافس الجامعات على مؤشرات ومقاييس الحريات الأكاديمية وجودة التعليم.
ما زلت منحازاً منذ كنت طالباً إلى زيادة جرعات الحريات الأكاديمية وزيادة التمثيل الطلابي عبرقنوات التمثيل الانتخابي الحقيقي، وفوق وقبل ذلك زيادة منسوب القيم الأخلاقية والوعي المجتمعي والإنساني، وإيجاد الطالب الصديق للبيئة الجامعية بأن يجد الجامعة الصديقة للبيئة الطلابية.