د. ماجد الخواجا يكتب: حديث لا تنقصه الصراحة مع السفير السوداني

أتيح لنا المشاركة والحوار مع السفير السوداني في عمان حسن سوار الذهب وذلك بدعوة من الزميل حمادة فراعنة، لقاء جاء في وقت حرج للغاية تمر فيه الدولة السودانية وحرب داخلية تكاد تعصف بالبلاد.
نقل السفير وجهة النظر الرسمية لدولته باعتباره ممثلاً لها، واستمع لعديد من الأسئلة المثارة حول حقيقة وواقع ما يجري هناك، فهل الحديث عن جيشين أو أكثر، أم عن جزء عضوي من جيشٍ واحدٍ أصبح في حالة وتوصيف التمرّد، ما حجم القوة التي تدعى بالدعم السريع على الأرض وامتداداتها وهل تمتلك حواضن مجتمعية أو قبلية أو طائفية، هل هناك تدخلات خارجية من الدول المحيطة بالسودان أو من غيرها، هل تم وأد الديمقراطية قبل أن يتحقق الحلم بتطبيقها، ما حجم الأضرار الواقعة على الشعب ومقدرات الدولة، هل ساعة الحسم قريبة أم نتحدث عن مقاربات شبيهة بالحرب الروسية الأوكرانية، ماذا بعد نهاية الأزمة والحرب، وما الخيارات المتاحة أمام الجميع.
كانت هذه جملة أسئلة تم طرحها والتداول فيها، وكانت إجابات السفير بالرغم من دبلوماسيتها ورسميتها، فهي احتوت على معلومات قيّمة ومهمة للغاية وواضحة، نعم كان التفاؤل لدى السفير بانتصار الجيش الرسمي هو المؤكد وتلاشي قوة وحضور ما تسمى بالجنجويد سابقا ومعناها " الجن الراكب للجواد " الذين ظهروا عام 2013 في دار فور وتم دعمهم وتفويضهم بحرية الحركة والسيطرة من طرف نظام البشير السابق، فأصبحوا جيشاً له نفقاته وقادته وأسلحته وإدارته، ومع الفوضى التي مرت بالسودان، فقد قامت القبائل بإيجاد ما تسمى بالجيوش أو القوات المساندة حيث يدور الحديث عن عديد منها تعمل بشكل منفرد ومستقل عن الجيش الرسمي للدولة.
تبدو الأمور ذات تحولات سريعة ومتغيّرة وغير متوقعة، حتى أنها خلال يومين من لقاء السفير أخذت الأحداث أشكالا جديدة وخطيرة، والهدنة التي تكرر طلبها من الأطراف المتقاتلة، ليست من أجل سواد عيون المواطنين، بل هي من أجل إتاحة الفرصة لترحيل الأجانب عن الأراضي السودانية.
لم يعد السودان قادراً على أن يتابع مسيرته في ظل الانقسامات وتعددية القوى المسلحة وهيمنة القبلية المسلحة في مختلف أرجائها، مع تواضع المقدرة على ضمان ديمومة سلاسل التوريد للغذاء والدواء والسلع الأساسية لمختلف تجمعات المواطنين.
كما أن الواقع الصحّي أصبح في أردا حالاته خاصة مع سيطرة المتمردين على بعض المواقع الصحية وعدم توفير الكادر والأجهزة الطبية اللازمة والضرورية لعلاج الجرحى والمرضى.
إن الخطورة تكمن في أن المتمردين يتواجدون داخل المدن وبين الأحياء وينتشرون وسط المواطنين بأسلحتهم الخفيفة والمتوسطة مما يزيد من صعوبة المنازلة العسكرية.
لقد عانى السودان منذ سنين طويلة من الانقلابات العسكرية التي لم تنتج حرية فعلية ولحمة وطنية واحدة بقدر ما غلب عليها طابع المصالح والتفرّد بالسلطة.
نعم لقد تحدث السفير سوار الذهب الشيء الكثير والوقت الوفير، لكن يبدو أن الحقيقة كانت في جزء كبيرٍ منها مما لم يتم الحديث فيه.
السودان ينزف ويتألم ويبكي منتظراً حلولاً ربما باتت في حالة المستحيل مع تراكم الكثير الكثير من الظلم والأخطاء والقهر والقمع وتفشّي الأمراض الاجتماعية.
قلوبنا مع السودان وأهله على أمل أن يرى أبناؤه واقعاً أفضل وحياةً كريمة عزيزة في بلدٍ عشنا وتربينا ونحن نردد أن السودان هو سلّة الغذاء العربي لو تم استغلالها جيداً.