د. ماجد الخواجا يكتب: الموت الديمقراطي للفكر والأحزاب السياسية

{title}
نبأ الأردن -

       قالها أحدهم : إذا اجتمع 11 شخصاً منهم 6 أغبياء أو مجرمين أو فاسدين وجرت انتخابات ديمقراطية، فسوف يحصد الستة كامل المقاعد بشكل ديمقراطي. أي أنه بالديمقراطية يمكن أن يصل للحكم أعتى الديكتاتوريين أو المجرمين أو أسوأ الأغبياء.





        بعيداً عن كل ما يجري على الساحة الحزبية والسياسية في الأردن، التي بدأ شكلها القادم يأخذ ملامحه من خلال توليد عدة أحزاب شبيهة بأحزاب المحافظين أو اللوردات والتي تضم رجال الدولة ورجال الأعمال ورجال المال، وبعض الأكاديميين والإعلاميين، وقاعدة كبيرة ممن سيطلق عليهم حملة المباخر الحزبية.





         بإقرار نظام المساهمة المالي للأحزاب السياسية، فقد ظهر تماماً أنه نظام مالي يعزز دور المال السياسي في عمل الأحزاب وفي الانتخابات القادمة بحيث تحتل أحزاب النخبة الساحة بأكملها، فيما لن تستطيع احزاب الفكر والأيديولوجيا أن تحظى بأية مقاعد وبالتالي حرمانها من أية مساهمات مالية.





        لقد تم إلغاء بنود الكلف التشغيلية للحزاب ومقراتها وإلغاء بند الدعم للحزب الذي يمتلك صحيفة أو موقع إلكتروني، تم إلغاء بند الدعم لتغطية الحملات الانتخابية للحزب ، وتمنح فقط عند اجتياز الحزب للعتبة المطلوبة، ناهيك عن رقابة مشددة على أوجه الإنفاق المالي للحزب خاصةً ما يرتبط منها بالمساهمة المالية الحكومية.





       إن جملة ما يحدث من تحولات في المشهد الحزبي السياسي تدلل على أن الحكومة القادمة بعد إجراء الانتخابات سترتدي لبوساً حزبياً مع بقاء الشخوص ذاتهم، فقط سيتم تغيير الماكياج ولون ربطات العنق وقصّات الشعر وبالتأكيد رائحة العطور على ذات الأجساد.





       إنه الموت بشكل ديمقراطي تام لأية أحزاب لا تمتلك مقومات المال والجاه ومفاتيح السلطة مسبقاً، ولا أدري من اخترع لدينا مقولة الأحزاب البرامجية، فالحزب يبنى أساساً على نهج وفكر وفلسفة، وهي التي ينبثق عنها برنامجاً سياسياً شاملاً للحزب ومستنداً إلى أرضية فكرية، إن التقسيم المتعارف عليه للأحزاب يقوم على تصنيفها إلى أحزاب يسارية وسطية يمينية، ثم تأتي البرامج لكلٍ منها. لكن لم نسمع عن أحزاب برامجية إلا هنا، وهي في المحصّلة تعني شكلاً واحداً ينضوي كلّها تحت سقف واحد وتقدم مشهداً واحداً. هذه يمكن تسميتها بالأحزاب الرسمية أو الحكومية لكنها لا يمكن أن تعبّر في مجملها عن حركة حزبية حقيقية.





       إن كثيراً من الدول تتيح المجال لأي تجمع حزبي بالظهور والمشاركة والدعم المتكافئ، بعيداً عن معايير مفصّلة كما هو الحال لدينا.





        أذكر أنني توقفت عن الكتابة الناقدة الساخرة التي دفعت ثمنها لسنين طويلة بعد أن تم هدم السقوف وأصبح الأكثر ضجيجاً هو الأكثر حظوةً، كذلك فقد توقفت عن العمل الحزبي الذي أمضيت فيه سنين طويلة ونحن نقضي الليالي في حوارات وصراعات فكرية على الطاولة، بعد أن أصبح العمل الحزبي مجرد مهارة من Soft Skills تضاف على C.V الفرد كإحدى المكملات.





      ما يجري ليس سيئاً بالضرورة، ربما هو مخاض لشيء أجمل، ربما هو حالة لانطلاقة أقوى، ربما هي اصطفافات وتهويمات ستقوم بفلترة للمشهد الحزبي عند نضجه، فالبوادر أظهرت أن الشخصيات والذوات من علية القوم الذين فتحوا مشاريع حزبية لهم، حاولوا منذ البداية البحث عن غطاء حزبي مؤدلج، وتمت محاولات لتغطية عريهم الفكري بمسحات داخل النظام الأساسي لأحزابهم يظهر فيها شيء من الفكر الحزبي.





         لن تكون هناك حياة حزبية حقيقية تعبر عن الطيف السياسي بجميع تلاوينه ما لم يتم فتح المجال أمام الأحزاب الأيديولوجية وإعطائها المساحة والمنافسة بتكافئ، وإلا فإن المشهد النهائي لن يكون أكثر من مجموعة مطاعم شاورما أو مجموعة تطبيقات لتأجير السيارات أو مجموعة من مزارع الدواجن، كلها تقدم نفس الخدمة او السلعة لكن تحت إسم مختلف. هو ذات الشراب وإن اختلفت العبوات.


تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير