سقطة أم سقوط
نبأ الأردن- منذر العبادي
أسوأ ما یمكن ان تمر بھ اي دولة او شعب ھو الافتقار إلى الشفافیة وغیاب الصدق ، ففي مسیرة الحكومة للبحث عن الانجازات تسعى بشكل مكشوف لكشط كل من
یخالفھا الرأي، في الأمس فقط فاحت رغبة الحكومة بإحتكار الرأي بعد أن ضاقت ذرعاً بأي قول غیر قولھا، والأمر یتعلق بالحظر الجزئي ومدى تأثیره في الحالة
الوبائیة، فرئیس لجنة تقییم الوضع الوبائي، والذي ھو خبیر وبائي، وبعض اعضاء اللجنة ومنھم د.عزمي محافظة كانوا یرفضوا ھذا الخیار ویعتبرونھ غیر مستند
الى معاییر علمیة بل بالعكس یؤكدون على وجود دراسة على أرض الواقع تثبت أن رأیھم ھو الأصح، ویبدو ان ھذا الموقف بغض النظر عن صحتھ خالف قناعة
ِ معالي وزیر الصحة والمستندة الى أن ل َحظر الیوم الواحد والحظر الجزئي تأثیر كبیر في تحسن الوضع الوبائي وقدم مرافعات متعددة دفاعاً عن وجھة نظره ھذه،
ومع الاصرارالمتبادل بین الطرفین وكون لجنة الأوبئة تتألف من أغلبیة حكومیة بالتالي یصعب على الطرف المستقل (غیر الحكومي) من إقرار وجھة نظره، لجأ
ھؤلاء إلى الاعلام لمحاولة طرح قناعاتھم وكان على مایبدو وسیلتھم الوحیدة لإجلاء موقفھم .
یبدو أن الامور كانت تتفاقم في الخفاء الى أن تفجرت الأزمة بإعلان مفاجئ لمعالي سعد الخرابشة رئیس لجنة تقییم الوضع الوبائي إستقالتھ التي أكد فیھا على الخلاف
المذكور سابقاً ، وفي ھذه الإستقالة شرح حجم الضغوط الحكومیة لمنعھ من التصریح بقناعاتھ فیما یتعلق بالحالة الوبائیة بحجة أن أراء اللجنة یجب ان تتسق مع
وجھة نظر الحكومة، بغثھا وسمینھا بغض النظرعن الحقیقة العلمیة والنتائج على الارض، وحسب رسالة الخرابشة بدء التصریح بھذه الرغبة الحكومیة مع الوزیر
الاسبق معالي نذیر عبیدات حیث كان الطلب ودیاً، لكنھ تحول إلى قرار وإصطدام مع الوزیر الحالي معالي د. فراس الھواري وھو ما دفع الوزیر الخرابشة لإتخاذ
القرار بالاستقالة .
ربما لیس الخلاف بحد ذاتھ ھو المھم رغم خطورة نتائجھ، لكنھ یشیر الى حجم الإفلاس الحكومي في استخدام البنى المؤسسیة والتي یفترض أنھا أنشئت للتعامل مع
الجائحة، ویظھر ایضاً ٌ حجم الشخصنة للأمور فخلال الأزمة شھدنا ثلاث وزراء كل َ منھم تبنى إستراتیجیتھ الخاصة المستندة الى قناعتھ وتجاربھ، فالأزمة صعّدت
ُ فجأة بأشخاص ك ِ ثر إلى مستوى صنع القرار دون مقدمات إداریة أو سیاسیة مؤھلة، الامر الذي أدى لإتخاذ قرارات كارثیة دفع ثمنھا المجتمع، موتاً ومرضاً وخراب
بیوت وإنقطاع أرزاق ، فھذه اللاخبرة أربكت المشھد العام وأفقدت من یُ ُ فترض بھم أن یكونوا صناع السیاسیة صفة الشمولیة والرؤیة المتسقة مع المؤسسات التي
ُنشئت لكي تقدم لھم النصیحة وحصیلة الخبرة التي یتمتعون بھا، فلجنة الأوبئة یُفترض أنھا مستقلة ذات صفة إستشاریة تعمل بما یملیھ علیھا رأیھا
یفترض أنھا أ
العلمي والأخلاقي والمصلحة العامة، ویبدو أن ھذا الدور لم یرق للحكومة ولا لوزراء الصحة ، متناسین انھ في اللحظات التاریخیة قول الحق ھوالطریق الأول
للنجاح .
الانكى من كل ذلك الرد الحكومي على لسان معالي وزیر الصحة، إذ في اللحظة التي یتم فیھا تداول نص رسالة الوزیر الخرابشة والتي تتحدث بمنتھى الوضوح عن
حجم التناقض بینھ وبین الوزیر، وجدنا وزیر الصحة یتحدث بشكل یوحي بأن لا خلاف بل بالعكس قُدمت رسائل شكر للمستقیلین، ھذا الكلام تم بینما قرأ رسالة
الاستقالة ملایین الاردنیین، وعرفوا من خلالھا حجم التنمر الحكومي على اللجنة، ألیس ھذا إستخفاف بعقول الناس وذراً للرماد في العیون ؟ ألا تشیر ھذه السقطة الى
حجم المأزق الذي تمر فیھ الدولة ككل ولیس الحكومة ؟ إذ في كل أزمة تُفرخ الحكومات ھیئات مستقلة بدون حساب وسرعان ما یُستغنى عنھا وعن أدوارھا وتصبح
ُنشئت أساساً ؟
ھیاكل اداریة بدون أي فائدة بإستثناء أنھا تتحول الى عبئ مالي یرھق موازنة الدولة ویبقى السؤال لماذا أ
ھذا التغاضي الحكومي المتعمد عن ابسط حق للمجتمع وھو معرفة ما یتعلق بشؤونھ بشفافیة وصدق، ترافق مع محاولة لرشوة وإبتزازالناس من خلال الوعد بأن
الأسبوع القادم سیحمل مفاجآت، أي استخفاف ھذا الذي نحن فیھ ؟ منذ متى یدار الشأن العام بالأحجیات ؟ ألا یُفترض أن لدى الحكومة سیاسة ثابتة تستند إلى معاییر
واضحة مبنیة على اسس الواقع العلمي والاقتصادي ؟ وما یخدم المصلحة العامة، وأیاً تكن مفاجآت الحكومة أكانت تتعلق ببعض الانفتاح أو غیره ، فمراوحة الحكومة
في ھذا المنطق یشیر الى قصور عمیق في قراءة المشھد العام في ظل الجائحة ، فالناس في طریقھم للتمرد على كل قرارات الحظر، یكفي لكي تتأكدوا من ذلك فقط
القیام بجولة في احیاء عمان وفي القرى والمدن ستجدوا ان الحظر بدء یتحول یوماً بعد یوم الى حالة رفض جماعیة ینضم لھا كل یوم مؤیودون جدد ، وھذاالأمر
خطیر لن یتوقف صداه عند حدود الجائحة بل سیتعداه الى ما ھو ابعد من ذلك ، وھنا تكون الطامة الكبرى ، والخشیة كل الخشیة أن تكتشفوا ذلك بعد فوات الأوان
فتتحول السقطات الى سقوط في المستنقع الخطیر.