د. محمد حسين المومني يكتب: حلقة الحظر المفرغة
إجراءات حظر جديدة يتم فرضها في ضوء التزايد الكبير بأعداد الإصابات، ووصول نسبة إشغال أسرة المستشفيات وأسرة العناية الحثيثة لمستويات مقلقة. حالة من الهلع والخوف والتحذير تتسيد سلوكيات الرسميين، بعد ما سمعوه عن الأحوال الصحية المتجددة لفيروس كورونا، ونسب انتشاره وأعداد الوفيات والإصابات.
نسير مرة أخرى في الحلقة المفرغة ذاتها: إجراءات حظر صارمة، تتبعها فترة من انخفاض بالحالات، ومن ثم وبناء عليه تخفيض من إجراءات الحظر، لتعود الإصابات بالارتفاع فنعود تباعا لحظر جديد. حلقة مفرغة لا يبدو أنها ستنتهي قريبا، بل ستستمر فيما يتلاعب الفيروس بنا وباقتصادنا وتعليم أبنائنا.
لست مع الحظر، كنت وما أزال، وأعتقد أننا إذا ما استمررنا بالمضي بهذه الحلقة المفرغة فلن ننجو من تبعات هذا الفيروس اللعين، وخسارتنا جراء انتشاره ستكون أضعافا مضاعفة.
الحل لا يبدو إلا من خلال برنامج قوي للتطعيم، الذي لا بد أن تنصب الجهود لتفعيل حملاته، أو القبول بمبدأ المناعة المجتمعية على ما فيها من اعتبارات قاسية. نحن أمام خيارات أحلاها مرّ، ليس من بينها النجاة دون خسائر، لذلك علينا كسر الحلقة المفرغة، أو تقليل خسائرنا التي لا ينفك الفيروس يكبدنا إياها.
ما بين أعداد الذين تلقوا المطعوم، وأعداد أولئك الذين أصيبوا بالفيروس، والتقديرات حول من أصيب ولم يفصح أو يعلم أنه أصيب، لا يبدو وكل هذه الأعداد أننا بعيدون عن تحقيق مناعة مجتمعية، والأفضل بتقديري السير نحو هذا الاتجاه وليس محاولة مقاومته. أما أن نستمر بالمضي بالحلقة المفرغة نفسها، ففي ذلك خسارة كبيرة على الوطن واقتصاده وتعليم أبنائه، خسارة تفوق بدرجات تلك التي قد تترتب على قبول مبدأ المناعة المجتمعية.
الأفضل في هذه المرحلة، وبالنظر لسلوك الفيروس المتحور -البريطاني والبرازيلي وغيرهما- والمتوقع أن يستمر بالتحور، الأفضل والحال تلك أن نستثمر بمزيد من المستشفيات الميدانية وفي زيادة أعداد أجهزة التنفس، وأن نتعايش مع هذا الفيروس ونحوله ليصبح شبيها بتعاملنا مع الانفلونزا أو غيرها من الفيروسات. أما أن نستمر بالإغلاق والحظر دون الالتفات لتكلفة ذلك، فهو أمر غير واقعي خسائره هائلة.
القرار الرسمي لا يحسد على اضطراره للتعامل مع هذه الجدليات والبدائل الحساسة، فهي بحق معقدة وصعبة تنطوي على معضلات أخلاقية جمة، لكن الواجب يحتم ضرورة أخذ مصلحة الوطن بالمجمل وككل متكامل بعين الاعتبار. وهذا معناه برنامج تطعيم وطني يعمل بأقصى الطاقات، وزيادة في أعداد الأسرة والمستشفيات الميدانية، وبالوقت ذاته فتح الاقتصاد والعودة للتعليم، لنصل بعدها لمناعة مجتمعية تمكننا من كسر الحلقة المفرغة التي أدخلنا بها هذا الفيروس.
بغير ذلك فسنمضي نعد الأسابيع والأشهر بانتظار الفرج، فيما نتكبد كوطن واقتصاد وتعليم خسائر فادحة تفوق بكثير حجم خسارتنا من التعايش مع الفيروس الذي لا يبدو سيغادرنا بالقريب العاجل.
الغد