د. ماجد الخواجا يكتب: تاريخ الأدب والكتابة الساخرة

{title}
نبأ الأردن -


ثمة فرق واضح بين السخرية والمسخرة، الأولى تهدم لتعيد البناء بشكلٍ أجمل وأقوى، هنا يكون الساخر ناقداً بذكاء، إيجابي في سلبيته، أما الثانية فهي مجرد تهويمات تعبّر عن إحباطات وقلة حيلة وصولاً إلى عجزٍ مقيمٍ، فلا هو وصل ولا قطع لكنه انقطع.
الأدب الساخر اتجاه راسخ تاريخياً وفلسفياً وسياسياً وطبعاً أدبياً، بحيث يمكن تحديد أطر وملامح ومعايير خاصة به، وهو نوع من التعبير بمحتوى فكري وإطار ادبي واضحين، وليس مجرد رص كلمات عشوائية غرائزية يريد صاحبها إيهام المتلقي أن هذه هي السخرية الأدبية. ليس من الأدب الساخر ما ليس له غاية وهدف يسعى إليه.
تعرف الكتابة الساخرة أنها التمرد على الواقع، والثورة الفكرية ضد البدهيات التقليدية، سواء كانت سياسية أم اجتماعية. فهي « تعكس صورة الواقع بجماله وقبحه» ولكن بأسلوب مختلف عن الكتابة العادية.
إن الأدب الساخر لايعني الضحك من أجل الضحك فهذا يسمى تهريجا، أما الأدب الساخر فهو كوميديا سوداء تعكس أوجاع المواطن السياسية والاجتماعية ويتم تقديمها بقالب ساخر يرسم الإبتسامة على الوجه ويضع خنجراً في القلب ويشتمل هذا الأدب على كافة أنواع الإبداع الأدبي الذي يطرح موضوعاته بسخرية، إنه ليس مقصوراً على الكتابة الساخرة، هناك السخرية الروائية، القصصية، الشعرية، التمثيلية، السينمائية، والكاتب الساخر هو من يحول الألم إلى بسمة والحزن إلى إبداع.
الفرق كبير بين الأدب الساخر وبين النكتة، فهو من أصعب أنواع الأدب، فإن لم يكن للكاتب الساخر قضية مهموم بها ورسالة يريد لها أن تصل ، فإنه يصبح مهرجاً، الكاتب الساخر يجعل القارئ يبكي من فرط الضحك وفي الوقت نفسه يضحك من فرط الألم .
الكاتب الساخر كما قال إبراهيم المعلم « هو كالنحلة تلسع وتطير قبل أن يشعر الإنسان بما حدث» ، كما إن الكاتب الساخر يبذل مجهود أكبر من الكاتب الرومانسي أو السياسي ، لذلك يستهلك بنات أفكاره أكثر من أي كاتب أخر، وما الكتابة الرومانسية غير آهات وليل وسكون وبحر كبير مجنون ، وبيت مسكون وشطآن وألم وفراق وهجران !وليس بالضرورة أن يكون الكاتب الساخر ذو دم خفيف.
الأدب الساخر هو أدب الألم والوجع والذكاء، إذ ليست أي سخرية تكون قيمة أو ذات وقع ورنين أو صورة تختزن. السخرية الواعية والتي تحمل في طيها المعنى والعمق والبعد الثالث لما وراء الأحداث هي السخرية التي تستحق أن يتوقف الإنسان عندها ويراها أو يقرأها.
الأدب الساخر هو الأدب القائم على المفارقة في سير الحدث فيأتي الحدث بشكل ٍغير متوقع ومثير للضحك أحياناً.
السخرية على مر التاريخ كانت وسيلة للتعرية، تعرية الزيف والأخطاء، تعرية الفساد، تعرية الذات، وهناك الكثير من الأدباء من كتب بهذا النوع من الأدب، وهناك من تخصص بكتابة الروايات والمسرحيات الساخرة. علماء النفس يعرفون السخرية «سلاح ذاتي يستخدمه الفرد للدفاع عن جبهته الداخلية ضد الخواء والجنون المطبق. ولنا عودة.


تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير