بشير المومني يكتب: "الى جماهير الكرة .. وتباً للسياسيين"

{title}
نبأ الأردن -

نبأ الأردن- يقول الفيلسوف الألماني نيتشه أنه اذا اردت معرفة ما يحصل في العالم اليوم فعليك الرجوع الى ثلاثة آلاف عام مضت .. طبعا وبالتأكيد كان نيتشه قد اختزل فكرة الحضارة بهذا القول في أوروبا .. في الشرق يبدو أننا بحاجة الى العودة بالحضارة الى اكثر من خمسة عشر ألف عام فأقدم رغيف خبز وجد في العالم كان بمنطقة الأردن حاليا وعمره أربعة عشر ألف عام .. في منطقة غير مأهولة في صحراء المفرق اكتشفت أقدم كنيسة .. في عين غزال بعمان وجدت اقدم تماثيل للآلهة معروفة حتى الآن .. الغنوسية مثلا هي شرقية النشأة وسبقت الأديان السماوية المعروفة اليوم وأطلقت مفاهيم الفيض الإلهي والسمو المعرفي .. عمرها يقدر بعشرين ألف عام .. بالطبع من خلالها يمكنك فهم الكثير من أفكار التصوف والتشيع ومصادرهما الفلسفية على حد سواء ..





الأردن قديم .. كغيره .. مغدق في الحضارة موغل في التشكيل وهو عبر التاريخ نشأ وتطور كجزء ليس فقط من فسيفساء بلاد الشام بل نتيجة التقاطعات الطبيعية والطارئة لحركة البشرية القائمة على الحاجات والاطماع الفردية والجماعية .. هذه التقاطعات شملت حضارة مصر والرافدين والقارة العجوز والجنوب العربي في شبه الجزيرة ببداوتها ومدنيتها والتي لا تقل اهمية عن باقي المؤثرات لا سيما الدين الجديد ( الاسلام ) وما انشأه من تطور وتحضر على البشرية التي كانت تعيش متوالية همجية دموية .. بالنتيجة ووفقا لهذه التأثيرات والتقاطعات والتطورات كان العالم كله همجا وكنا أفضل الهمج .. اليوم تطور العالم .. وبقينا أفضل الهمج ..





لماذا تطور البشر وبقينا كأمة نراوح مكاننا كأفضل الهمج رغم كل ما لدينا من امكانات مادية ومكنة حضارية ومنظومة تحرير من العبودية والخرافة مادتها الاسلام فهذا يحتاج الى دراسات عميقة واسعة ليس أقلها وعي انماط التفكير الذاتية وتحليل كيف يفكر العقل العربي واعادة قراءة اكثر تفهما لما انتجه الفيلسوف محمد عابد الجابري وقراءة اعمق للفكرة الفقهية بحد ذاتها ووجوديتها واجابات على القطيعة الحضارية والمعرفية التي تشكلت منذ اواسط القرن الخامس عشر 1450 وما الذي عناه هذا القرن تحديدا والتحولات التي طرأت على البشرية فيه فنحن اليوم نعيش نتائج ما حصل تحديدا في القرن الخامس عشر .. ولسنا لوحدنا بل العالم كله .. يكفي للشخص ان يعرف بأن ما يسمى فتوحات عثمانية قد تحولت لاسباب مجهولة من الشمال الغربي نحو الجنوب العربي وظهرت اللوثرية الاوروبية .. وميكافيلي





يقول الدكتور والفيلسوف المصري مصطفى محمود رحمه الله أنه اذا بقي الفارق الحضاري يتسع وفقا لهذا النسق فسيصل بنا الحال لأن يصبح الفارق بيننا وبين الغرب كالفارق بين القرود والانسان .. قالها في ثمانينات القرن المنصرم .. بعد اربعين عاما من توقعاته ننظر حولنا فنجد ان التطور الحضاري كأمة قد فاتنا بمسافات عظيمة .. البارحة اصابني حزن شديد وانا انظر الى قيام فيتنام بصناعة سيارة كهربائية منافسة لتيسلا .. انتقل العالم الى طور جديد مختلف من الذكاء الاصطناعي والتكنولوجي ونحن لم نصل بعد الى ما تركوه من علوم وتقدم .. لا زلنا نفاخر الدنيا بأننا كنا يوما أفضل الهمج .. وهم ينظرون الينا من علو باستخفاف ويضحكون علينا بازدراء .. هل اصبحنا فعلا تلك القرود التي تنبأ بسلالتها الدكتور مصطفى محمود !!؟؟





هل هنالك أمل !!!؟؟؟ قبل مدة كتب لي احد اعمدة الحكمة الايطالية كتابا وجهته الى جهة مرجعية عليا بالدولة .. البروفيسور ايلي فالوري .. اطلعت على رسالته وبالسابق كنت قد خاطبته ومجلس الشيوخ الايطالي من خلال كلمة قدمها احد الاصدقاء في احدى كبريات الجامعات الايطالية .. كانت الكلمة معدة بعناية .. شديدة .. عندما القيت على مسامع الاوروبيين اذهلتهم من حجم القدرة على الربط الحضاري .. الانساني .. رسالة البروفيسور فالوري جاءت مكملة لما قمت بارساله لهم .. تحدثت رسالته عن الأردن بفهم عميق كنقطة ارتكاز حضارية استثنائية بعبقرية الجيوساسي والقدرات الاستثنائية للنظام الملكي لدينا على اختراق المشهد الشرق اوسطي وتتعجب من قدرة الاردنيين على الصمود في هذا المحيط الملتهب والمدرسة الاردنية في فن الممكن والعلاقات الدولية .. اقترحوا مشروع مجنون .. قناة اعظم واكبر واضخم من قناة السويس تبدأ من العقبة وتنتهي عبر سوريا الى المتوسط وتذهب شرقا باتجاه العراق لتصل الى الخليج العربي في الكويت .. هكذا يفكرون وهكذا ينظرون للاردن وأهميته .. نحن نراه جنونا .. هم يرونه تاريخا وصناعة جديد للخرائط والهيمنة والمستقبل .. نحن على مشارف الحضارة .. مؤهلون .. نحتاج فقط لالتقاط اللحظة التاريخية .. اعتبروه هدف التعادل في الوقت بدل الضائع .. وقتنا كله ان لم يكن جله .. ضائع





لماذا اخاطبكم !!؟؟ النخب .. المثقفون .. السياسيون .. الكتّاب .. المسؤولون السابقون .. مراكز الدراسات .. الاعلاميون .. الحزبيون .. الرأسماليون .. لديهم الان ما يشغلهم .. يريدون اسقاط او على الاقل شل فعالية الحكومة .. لا فائدة مرجوة من مخاطبتهم .. صحيح ان الأردن يحتاج الى كتاب يصنعهم مفكرون وهؤلاء يصنعهم فلاسفة ومنظري الدولة .. صحيح أن الدولة اعلنت عن مشروع سياسي اقتصادي اداري وسيلة هدمه رحيل حكومته .. صحيح ان مشاريعنا إن كتبت لها الولادة فلا تكتب لها الحياة .. لكنني على أمل بكم .. جماهيرنا العظيمة .. باحداث تغيير .. رغم كل نكدكم وهوجائكم وقلق الجميع منكم .. اتمنى ان تصنعوا حالة يمكن البناء عليها .. بالاجابة على اسئلة وجودية تمكننا من التقاط اللحظة وصناعة التاريخ .. هل نحتاج اليوم الى ممارسة قطيعة نفسية إن لم تكن معرفية مادية مع الماضي والنظر اليه بمفهوم التراث ؟؟ هل يمكننا اليوم ان نتفق على رسالة الدولة الوجودية وهويتها الوطنية ؟؟ الاجابة ستحدد فيما اذا كنا قادرين على تجسير التحدي الحضاري من خلال مشروع جمعي او البقاء أفضل الهمج ..





المحامي بشير المومني


تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير