د. ماجد الخواجا يكتب: الحوار مع الذات قبل الحوار مع الآخر.. ضرورة لا ترف
إننا نخشى الاختلاف لأنه يربك طرق عملنا للأشياء المألوفة تقليدياً شئنا أم أبينا فالمستقبل للأخلاق وللتعددية البشرية بتنوعاتها وتجلياتها التي تثري وتضيف قيمة للمشهد والتاريخ الإنساني والحضاري. هناك إجماع على أن هذه الأرض لنا جميعاً، وأننا نرتبط برباط الإنسانية قبل وبعد جميع الروابط الاجتماعية والعقائدية والفكرية والسياسية والطائفية.
لقد أثبتت مجريات التاريخ أن محاولة الإلغاء والاستئصال للآخر لم تؤت ثمارها.. والحال أنّ الاختلاف في العقائد الدينية والتوجهات السياسية والرؤى الفكرية والانتماءات العرقية لم يكن عائقاً أمام الحوار في الملتقيات العربية والعالمية التي استهدفت إبراز وتعزيز القيم الإنسانية المشتركة للحضارة المعاصرة التي تتشارك البشرية – بمختلف أعراقها وأديانها وثقافاتها – في صنعها واستهلاك منجزاتها.
ثمة أهمية لاكتشاف أولوية القيم الإنسانية التي تُعد إرثاً مشتركاً للبشرية، وإبراز خطورة النزعات العقائدية الجامدة التي تقسم العالم الإنساني بين ثنائيات متضادة تسعى كل منها إلى إلغاء الآخر من خلال توزيع البشر في خانات مطلقة مثل الخير والشر، البربرية والتحضر، الإيمان والكفر، مع أو ضد.
إن المستقبل لن يكون إلا مساراً تعددياً لتلاقح الحضارات والثقافات لكافة الأمم والشعوب، وإن هذا التقدم العلمي والتكنولوجي أوجد فهماً ووعياً جمعياً لوحدة وتكامل العالم الواقعي.
نحن الآن نتشارك في المنجزات العلمية، كما أننا مستهدفون بذات المصير في حال تلف البيئة أو تلوّث الهواء أو اتساع ثقب الأوزون أو استخدام الأسلحة النووية فائقة التدمير. أي أننا شئنا أم أبينا في مركبٍ واحدٍ. وأن المنجزات الحضارية هي إرث إنساني مشترك، كما هو الحال عندما تزداد احتمالية تدمير الكرة الأرضية التي لن ينج منها عرق أو فكر أو مذهب.
إن مخاطر الثنائيات التي أراد البعض زرعها في الوعي البشري هي نقيض وحدة وتكامل البشرية وتعارض العالم الإنساني.
لدي أصدقاء كثيرون من الشباب، وجلّهم ساخط بشكلٍ كبير، والمزعج أن الكثيرين منهم يائسون ولم يبلغوا الأربعين بعد، وكلما تحدثت إلى أحدهم تذكرت هذا المقطع الناري من « قصة رجل مجهول» لأنطوان تشيكوف: « لم أدركَنا البلى؟» لقد بدأنا مفعمين بالحرارة والشجاعة والشرف والإيمان، فلِم أفلسنا إفلاسا تاما في الثلاثين أو الخامسة والثلاثين؟ لمَ يذوِ أحدنا بالسُّل، ولم يصوّب الآخر رصاصة إلى رأسه، ولم يتلمس الثالث النسيان في الفودكا والورق، بينما يحاول الرابع أن يخنق رعبه وشقاءه بأن يدوس بقدميه ناقماً تلك الصورة النقية، صورة شبابه الجميل؟ لمَ لا نحاول إذا سقطنا مرة أن ننهض ثانية، وإذا فقدنا شيئا أن نبحث عن غيره؟ لم ذلك؟ « كانت هذه فقرة من رسالة وصلتني عبر الإنترنت..
ينبع الحوار من اختلاف الناس ن فلو اتفق الناس على كل شيء لما كان ثمة حاجة للحوار.
إن ما أجمع عليه الأفراد متعددو الثقافات والأعراق والاهتمامات بإقرارهم أن البشر يمكن لهم أن يتفقوا على أرضية مشتركة من القيم والأخلاق العالمية. يمكن أن تكون بداية الإعلان عن نظرة جديدة لمستقبل البشرية التي لن يكون لها مستقبل إلا بالإعلاء من أخلاقها وقيمها وقبولها للتعددية والتنوّع ضمن واحدية البشرية والإنسانية.. حينها لن يعود الحوار ترفاً وإنما ضرورة لنا جميعاً من أجل أن نعيش حياةً متحضرة تليق بأبناء الإنسانية الواحدة.

























