ميسر السردية تكتب : أم كلثوم خارج ذاكرة البادية

{title}
نبأ الأردن -

لطالما استغربت حالة أم كلثوم في البادية، وبعيدا عن اعتراض أحد، أقصد بيئتي التي نشأت فيها، عاد السؤال لخاطري وأنا أقلّب صفحات كتاب الأستاذ الصحفي محمود عوض عنها"أم كلثوم التي لا يعرفها أحد"، ترى لماذا لم يكن الإستماع لهذه القامة منتشرا في البادية رغم أنهم يعرفون عنها ؟! في وقت كانوا يحرصون فيه على اقتناء الراديوهات بعد شيوعها ودخولها حياتهم واستخدامها في الإستماع إلى مشاهير شعراء الربابة مثلا؟! بل كانوا يذكرون أسماء مطربات أخريات، ويستمعون لهن غالبا، في مرة سألني قريب لي ماذا تكتبين؟ كنت منكبة على صياغة مادة صحفية، قلت له لقد أجريت حوارا مع سلوى العاص، و أكتب لنشره في الجريدة ، تبسم متذكرا وقال : يا عمار… أشتريت راديو في الستينات حتى أظل أستمع لأغنيتها "وش جيبك ياغزال البر وحداني".. سلمي عليها بس تشوفيها .
عرفت بعض أغنيات أم كلثوم في صغري عن طريق أبناء عماتي الأكبر مني" الأطلال.. أغدا ألقاك" وهم يدندون بجمل منها فقط، في حين لم الحظ الكبار - الأجداد-يستمعون لفنها أو يأتون على سيرتها أو يرددون شيئا عنها ،كنت أنصت لهم في تعاليلهم وهم يتداولون و يصححون لبعضهم البعض القصص الشعبي المشبع بالشعر كسيرة "ذياب بن غانم وأبو زيد الهلالي والزير سالم "..
يتضح أن المزاج البدوي أثر لاحقا في رغبة المتابعة والإستماع لهذه المطربة الهرم، مازلت مثلا لا استطيع الثبات أمام الشاشة لحضور حفلة مسجلة لها، بل قلما أكمل أغنية عبر الأثير… قد يكون من أسباب عزوف البدو آنذاك حسب ما أعتقد، طول المقدمات الموسيقية من جهة، وتكرار بعض المقاطع الغنائية التي تُطرب الناس من جهة أخرى، إضافة لضرورة حيز "الوحدة" في الإستماع المتقن، والتماهي مع الحالة ، ببساطة عدم قدرة المستمع البعيد عن حفلاتها إيجاد الوقت المطلوب َالكافي برفقة قهوته وتتنه ومذياعه وصوتها وآهاتها، الخلوة غير يسيرة ومتعسرة في بيئتنا سابقا.. فالوقت قصير لسهر الليل ، بل من المستنكر والمستغرب بقاء الشخص لوحده ومع نفسه .. ناهيك عن ضرورة النهوض باكرا لابد منه، كما لا وجود لإيام عطل عندهم ك"خميس على جمعة" الموعد الثابت لبث الحفلة التي ينتظرها محبيها …. قد يكون هناك ما أجهله من أسباب أدت لعزوفهم ذاك، حتى باتت خارج ذاكرة البادية .. مع ذلك مازلت أشعر برهبة ومكانة أم كلثوم التي لم أستمع إلا لما تيسر من إبداعاتها في حين أحاول الإطلاع على حياتها الخاصة من خلف السور الذي ضربته حول شخصيتها التي المؤثرة حتى اليوم …


تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير