هكذا قلصت لوبان المسافات واقتربت من رئاسة فرنسا
نبا الأردن- بفارق ضيق، يعد أقل كثيرا من الفارق بين المرشحين الفرنسيين المتأهلين للجولة الثانية في الانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2017، استطاعت مرشحة التجمع الوطني مارين لوبان تحقيق نتائج أفضل كثيرا أمام الرئيس إيمانويل ماكرون، وهو ما عزاه محللون إلى تراجع زعيمة "التجمع الوطني" عن أجندة اليمين المتطرف خلال الخمس سنوات الماضية لتوسيع نطاق جمهورها المستهدف.
وأعلنت وزارة الداخلية الفرنسية، الاثنين، عن النتائج النهائية للدورة الأولى من الانتخابات، حيث حصد خلالها الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته 27.85 بالمئة من الأصوات، فيما نالت لوبان 23.15 في المئة، ليتأهلا إلى الدورة الثانية الحاسمة من الانتخابات الرئاسية الفرنسية والتي ستجرى في 24 أبريل الجاري.
وفي عام 2017، تفوق ماكرون على لوبان بفارق 32 نقطة في جولة الإعادة. لكن هذا العام، منحت استطلاعات الرأي ماكرون هامشًا نقطتين مئويتين على لوبان قبل جولة 24 أبريل.
فقد أظهرت الاستطلاعات الأولى التي أجريت مساء الأحد، حول نوايا التصويت في الدورة الثانية، تقدم ماكرون بحصوله على نسبة تراوح بين 51 إلى 54 في المئة من الأصوات، وهي نسبة أدنى بكثير مما حصدها في 2017، التي بلغت 66 في المئة.
ويقول الباحث المتخصص في الحركات اليمينية والشعبوية، في منظمة الأبحاث الوطنية الفرنسية، جيل إيفالدي، لصحيفة "وول ستريت جورنال": "لم يكن اليمين المتطرف أقرب من السلطة في فرنسا كما هو حاصل الآن".
فما الذي أدى إلى تقدم لوبان خلال الخمس سنوات الماضية؟
خلال السنوات الخمس الماضية، لم تتغير أجندة اليمين بقيادة حزب "التجمع الوطني" فحسب، بل أسلوب لوبان ولهجتها أيضا شهدا تغيرا، بحسب إيفالدي.
لم تعد لوبان تريد أن تترك فرنسا منطقة اليورو وعملتها الموحدة، وهو الموقف الذي كلفها كثيرا في انتخابات 2017، لكنها مع ذلك، تريد استبدال الاتحاد الأوروبي بما تسميه تحالفا أوروبيا من شأنه أن يسمح للدول باستعادة الكثير من السيادة على بلادها.
كما تعهدت بسحب فرنسا من القيادة العسكرية لمنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهي خطوة من شأنها تقويض التحالف حيث تشن روسيا الحرب على أعتاب أوروبا.
وإذا تم انتخابها، فإن لوبان تريد أن تدعو إلى استفتاء لتعديل الدستور الفرنسي لإلغاء حق المواطنة للأطفال المولودين في فرنسا لأبوين أجنبيين؛ وإعطاء الأولوية للمواطنين الفرنسيين على الأجانب عندما يتعلق الأمر بالوظائف والإسكان الاجتماعي؛ وإجبار اللاجئين على التقدم بطلبات لجوء في قنصليات فرنسا في الخارج، كما قالت لوبان أيضا إنها تخطط لحظر الحجاب الإسلامي في جميع الأماكن العامة.
ولم تكن خطط لوبان لإعادة تعريف فرنسا ومكانتها في العالم، هو ما حدد رسالتها بحملتها الانتخابية كما كانت تركز سابقا، وبدلا من ذلك، قامت بتركيز حملتها على الشؤون الداخلية مثل إحباط الناخبين من ارتفاع تكاليف المعيشة، مما جذب ملايين الناخبين في جميع أنحاء فرنسا من الطبقة الوسطى والعاملة الذين يشعرون بالتجاهل من قبل الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي يعاني صعوبة في التخلص من صورة "رئيس الأغنياء".
هذا التحول، هو ما جعل أشخاص مثل ريموند فرومان، عامل منجم سابق يبلغ من العمر 69 عاما من مدينة سترينغ ويندل الصغيرة في شرق فرنسا، يقول إنه حتى وقت قريب لم يكن يتصور أبدا أن لوبان يمكن أن تصبح رئيسة.
وقال لصحيفة "وول ستريت جورنال": "كانت مخيفة للغاية، لأنها مثلت أقصى اليمين، وأرادت مغادرة الاتحاد الأوروبي، الآن، يمكنني رؤيتها رئيسة، إنها أكثر جدية وأكثر تركيزا على كفاحنا".
كما خففت لوبان من حدة الخطاب الذي كان يركز في السابق على الأيديولوجية السياسية لصالح اللحظات الشعبوية التي تثير تعاطف الجمهور، فأصبحت تتحدث بصراحة عن حياتها الشخصية، بما في ذلك حبها للقطط. كما تعهدت أمام الناخبين بأن هذه ستكون المحاولة الأخيرة لها إذا خسرت، مما يمنح حملتها أجواء الفرصة الأخيرة.
وخلال أحد التجمعات المبكرة لها، تحدثت لوبان باستفاضة عن طفولتها، بما في ذلك تجاربها في المدرسة، مشيرة إلى أن "ذكريات الاضطهاد تجعلني أكره اليوم أي شكل من أشكال التمييز".
وتحدثت أيضًا عن كفاحها كأم، حيث ربت 3 أطفال بمفردها لعدة سنوات، وقالت إن "الأشخاص الذين عانوا من أشياء مؤلمة يتصورون بشكل أفضل جروح الآخرين ومعاناتهم".
وعندما سُئلت عن حياتها العاطفية خلال برنامج تلفزيوني، قالت لوبان إنها كانت عزباء مثل ملايين الفرنسيين الآخرين، لكنها أشارت إلى أن كان لديها قططها.
ومثلت هذه اللحظات الشخصية والعاطفية، بمثابة النقيض من ماكرون الذي ابتعد عن الجمهور، وبدأ حملته الانتخابية في أوائل مارس فقط، أي بعد فترة طويلة من منافسيه، بسبب انشغاله في محاولات نزع فتيل الحرب في أوكرانيا.
وعندما بدأ حملته الانتخابية، كانت نبرته تتسم بالحدة في خطاباته.
تحول لوبان وتغيير لهجتها، تزامن مع اتجاه أكثر من قبل الجمهور على مدى السنوات الخمس الماضية، مع أفكار اليمين مثل الحد من الهجرة، ما ساعدها للحصول على 23 في المئة في الجولة الأولى من الانتخابات.
وينبغي على ماكرون ولوبان حشد الناخبين، فيما طبعت نسبة امتناع كبيرة بلغت 25,14 في المئة الدورة الأولى مع انهيار تام للحزبين الرئيسيين في الجمهورية الخامسة اللذين سجلا أسوأ نتيجة في تاريخهما مع حصول الديغولية بيكريس الفائزة بالانتخابات التمهيدية لليمين الفرنسي في الخريف الماضي على أقل من خمسة في المئة من الأصوات، والاشتراكية إيدالغو على أقل من اثنين في المئة.
وسيضع المتأهلان إلى الدورة الثانية نصب أعينهم خصوصا استمالة ناخبي مرشح اليسار الراديكالي جان لوك ميلانشوسن، الذي حل ثالثا بحصوله على 22 في المئة من الأصوات تقريبا بفارق بسيط عن لوبان، وبات يظهر في موقع الحكم، بحسب الحرة.