د. ماجد الخواجا يكتب..عمان هي العنوان .. على هامش ما صرح به كريشان

عودتنا الحكومات منذ فترة على مستوى متدني ورديء من الخطاب والتصريحات والتسريبات، خطاب مليء باللغو وحشو الكلام حوشي الألفاظ وفي أحايين يصل إلى درجة اللهجة الشوارعية، ليس هكذا يكون مستوى اللغة في الحد الأدنى لها المقبول من نائب رئيس الوزراء عندما يفترض أنه طرف وعمان والزرقاء ومن يسكنهما طرف آخر، طرف ينبغي تعنيفه وتأديبه وتوجيهه والذي طبعا سيقوم به الوصي على النهج والفكر والعقل، وهو السيد كريشان.
إنها عقلية الوصاية على القطيع، عقلية حارس البوابة وحامي الحمى والطرف الذي يمتلك الحقيقة والسلوك القويم، إنها عقلية الراعي والرعية الذين عليهم الإنصياع لحركة وصوت السوط.
يصرح كريشان أنه لا يعلم سر عدم إقبال أهل عمان على الانتخابات، وأنهم غير معنيين بالانتخابات، وأنه بالتالي لا يحق لهم الانتقاد، فيما أسبغ كريشان ثوب الوطنية على المدن والمحافظات التي شهدت إقبالا على الانتخابات لأنهم يريدون اختيار من يمثلهم.
الحقيقة التي لا يريد أن يتحدث بها السيد كريشان أن قانون الصوت الواحد قتل أية رغبة حقيقية لممارسة الاقتراع، وأن المال الإنتخابي الأسود عزز ذلك ، وأن الشعور بعدم جدية مخرجات الانتخابات وعدم تمثيلهم لأهل عمان، وأن عمان هي التي دفعت ثمن القانون المشوه الذي أوجد الصراع داخل الأسرة الواحدة، القانون الذي هاجسه الوحيد والرئيس فزاعة جماعة الإخوان المسلمين، فكان أن ترسخت لدى المواطنين بأن الانتخابات ليست إلا مشروعا شخصيا ، وجملة تضاف في السيرة الذاتية للفائزين، وليست لفرز رجال يدركون معنى العمل العام وعركوا مضامين الخدمة العامة، حتى صرنا نسمع ونشاهد أشخاصا لم يمروا على أي عمل لكنهم يتكئون على عشيرة أو على زعم أنهم يمثلون شريحة، أو على هيئة توريث المناصب بين الوالد والإبن، أشخاص تكون بداية سيرتهم الوظيفية والعملية أنهم أعضاء مجالس بلدية أو رؤساء لها.
عمان هي العنوان يا كريشان، عمان هي التي منحت كل رجال السياسة والعمل العام تلك الصفات التي يحملونها. عمان يستطيع ابن أي مدينة أو قرية أن يترشح وينتخب ويفوز فيها ، عمان تحتمل قبول الجميع على اختلاف ألوانهم السياسية والاجتماعية، عمان معنية بوجع وطن أكثر مما هي معنية بمقعد لا مركزية. إن القانون الذي تجري بموجبه الانتخابات هو السبب الرئيس في العزوف عنها، لقد أوجد شرخا لا يبرأ في المدن والقرى والبوادي، ولا تخلو انتخابات من مشاحنات تصل إلى درجة المشاجرات وإطلاق نيران الأسلحة بين أبناء العمومة في القرية الواحدة، فالانتخابات لا تتجاوز أنها أصبحت مشروعا شخصيا وجهويا وعشائريا، ولا علاقة للفائزين بأن يقدموا برنامج عمل، فقط المطلوب " عد رجالك ورد الماء" وهذا الأمر اخترق ثقافة عمان متعددة الألوان ، فأصبحنا نشاهد مناطق مغلقة لمرشحين من عائلة محددة بذريعة أنهم يمتلكون الأرض والتاريخ وبالتالي الحق في التسيد الدائم. وشاهدنا مرشحين من نفس العائلة اقتصر الترشيح بينهما علما أنهما تبادلا ذات الموقع من قبل، وعلما أنهما لا يمتلكان شيئا من العلم والفكر والبرنامج، لكنهما يمتلكان ما يجعل أسميهما يهبطان داخل الصناديق. شاهدنا مرشحين ليس لديه أية سيرة عملية عدا أنه يتكئ على ماضي والده وهو يريد تحصيل حقه الوراثي في موقع والده.
شادهنا صرعة تعليق الصور الزاهية التي يعتقد المرشح أنها كافية كي يتم اتخاذ القرار بالتصويت له بناء على حلاوة ابتسامته ووسامته ونصاعة وبياض أسنانه.
عمان تحملت وتتحمل لأنها الأخت الكبرى للجميع، لكنها تعبت من أكل ثدييها بعد الرتع في مراعيها ومرابعها.
المطلوب من كريشان تقديم الاعتذار العلني لجميع أهالي عمان والزرقاء. لقد أنهكتنا تجارب الحكومات بما تسميها الانتخابات.
أما الانحدار اللغوي لدى أعضاء الحكومات، فهذا بحاجة حكاية لوحدها.