مروان العمد يكتب : كلام في المحظور - هل حقاً يوجد في الاردن من يريد الاصلاح / ٥

{title}
نبأ الأردن -


ونتيجة لانغلاق الافق امام احداث الاصلاح السياسي والاداري من قبل الجهات التشريعية المختصة وهي الحكومة ومجلس النواب . وعدم قيام الاحزاب السياسية والمعارضة والقوى الشعبية والنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام المرئي والمسموع بأية خطوات تساهم بتحقيق الاصلاح ، وعدم وضوح مطالبها من الاصلاح وغاياته ، وعدم وضع تصوراتها لتحقيق ذلك وعدم اتفاقها على بنود وخطوات معينة لتحقيقه ، كل ذلك جعل جلالة الملك يقتنع بأن الاصلاح لا يمكن ان يأتي من هذه الحكومات ولا من قبل هذه المجالس . ولذا فقد ارتأى جلالته تشكيل لجنة ملكية يعهد اليها البحث في اصلاح بعض القوانين ، تلك الفكرة التي كانت من متطلبات الكثير من المواطنين . وانه لابد من وضع مقترحات لقانون الانتخابات وقانون الاحزاب من خلال هذه اللجنة ، وان تقوم بوضع تصوراتها لهذين القانونين واية امور اخرى تعهد اليها .
ولهذه الغاية قام جلالة الملك بتوجيه رسالة الى دولة السيد سمير الرفاعي ليرأس اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية والمكونة من اثنان وتسعون عضواً بالاضافة له .
وقد تضمنت الرسالة الملكية الخطوط العريضة لمهمتها ، والمتمثلة بصياغة مقترح لقانون جديد للانتخابات وآخر للاحزاب السياسية ، والنظر في التعديلات الدستورية المتعلقة حكماً بهما ، واليات العمل النيابي . و ان تقدم التوصيات المتعلقة بتطوير التشريعات الناظمة للإدارة المحلية وتوسيع قاعدة المشاركة في صنع القرارات ، وتهيئة البيئة التشريعية والسياسية الضامنة لدور الشباب والمرأة في الحياة النيابية . على ان تشكل ما بين اربع وست لجان ، كل لجنة تتولى محوراً من المحاور الواردة في الرسالة الملكية . وان مدة الانجاز يجب ان تكون قبل انعقاد الدورة العادية القادمة لمجلس النواب في بداية شهر تشرين الاول المقبل لتعرض عليه مخرجات عمل هذه اللجنة ومناقشتها .
وقد ضمن جلالة الملك لدولة رئيس اللجنة سلامة مخرجاتها وعدم التدخل فيها من قبل اي جهة كانت قبل وصولها الى مجلس الامة ، والذي يتعين عليه التعامل معها واقرارها على النحو الذي يضمن الوصول الى رؤية اصلاحية عامة وشاملة . وعلى اعتبار ان ذلك يعد صمام امان واطمئنان لتقوم بعملها بكل جهد واخلاص ، وبهدف وضع قطار الاصلاح على سكته الصحيحة . وهذا يعني ان عمل هذه اللجنة واقرار توصياتها او تعديل بعضها من قبل مجلس النواب ليس نهاية عملية الاصلاح ولكن بداية الانطلاق على سكة الاصلاح هذه .
وفي نهاية الرسالة اورد جلالته اسماء الذوات المكونة منهم هذه اللجنة .
وفي الحقيقة انا لا اعرف معظم اعضاء هذه اللجنة ولا اعرف توجهات وانتماءات اغلبهم . ولكني عرفت منهم شخصيات وازنة وتمثل طيفاً واسعاً من المكون السياسي والاجتماعي والعشائري في الاردن . فقد ضمت الاتجاهات الدينية وعلى راسها جماعة الاخوان المسلمين والاتجاهات اليسارية وانصار مدنية الدولة او علمانيتها . كما ضمت اسماءاً بارزة من شخصيات عرفت بمعارضتها الشديدة للنهج الحالى ودعواتها للاصلاح . كم ضمت ممن معروفين بولائهم للنظام وممن كانوا من اركانه . كما ضمت العديد من الاعلاميين وممثلين عن كافة مكونات المجتمع الاردني ومكوناته . لأن مخرجات هذه اللجنة وحتى يكتب لها النجاح والتطبيق فلا بد ان تشمل كل هذه المكونات . ولكن هذا لا يعني ان على اللجنة ان تمثل كل الاتجاهات والمكونات على تعددها ، لان ذلك يتطلب ان يكون عدد اعضاء هذه اللجنة بمئات الالاف وربما اكثر . ولا يعني بالضرورة انه تضم الافضل من الاشخاص القادرين على القيام بهذه المهمة ، كون مفهوم الافضل يختلف من شخص لآخر .
وما ان اعلن عن تشكيل هذه اللجنة حنى انفجرت مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات رافضة لها ولمخرجاتها قبل ان تعقد اول جلساتها ، الا من القلة القليلة الذين اشادوا بها ، وتفائلوا بمخرجاتها او على الاقل نادوا باعطائها الفرصة لاستكمال مناقشاتها واعلان نتائج ما تتوصل اليه .
وقد كان الهجوم الاكبر على شخصية رئيسها ، وان كنت اتوقع ذلك قبل اعلانها كونه شخصية خلافية ، ولكن دون ان احكم عليه مسبقاً بالفشل في مهمته هذه او النجاح ، كونهما لن يكونا عائدين له وحده ، ولكن لكل لاعضاء اللجنة مجتمعين . ثم كان الهجوم على اعضاء اللجنة والذي امتد ليشمل جميع اعضائها بما فيهم من يمثلون المعارضة واحدهم كان يتم المطالبة بتكليفه لتشكيل حكومة انقاذ وطني .كما شمل الانتقاد لممثلي الاحزاب والجمعيات والاشخاص المعارضين الذين ضمتهم اللجنة وتوجيه الاتهام لهم بأنهم انحازوا للنظام او انهم باعوا انفسهم له قبل ان نرى عملهم وموقفهم بهذه اللجنة . والبعض كان انتقاده وهجومه على اللجنة بحجة عدم تمثيلها لجميع قوى المعارضة وكأنه من المفروض ان يكون جميع اعضاء اللجنة من المعارضة دون النظر لمواقف مكونات الشعب الاخرى . وان تضم كل المعارضين او من يعتبرون انفسهم معارضين . والبعض كانت معارضته لأن المهام الموكولة لها لا تشمل جميع مطالب الاصلاح حسب وجهة نظرهم ومنها اجراء تعديلات دستورية تحد من سلطات جلالة الملك ، بل تنزع جميع سلطاته وصلاحياته وتحولها الى سلطات شكلية . وهم في مواقفهم وآرائهم هذه يمثلون مواقف انقلابية وليست اصلاحية . والبعض كانت معارضته على تشكيلة اللجنة لانها لا تضم اسم فلان او علان او بالاحرى والاصح لانها لا تضم اسمه هو . و قد بدى ذلك واضحاً من اختلاف خطاب البعض قبل تشكيل اللجنة وبعدها من الذين كانوا معروفاً انهم يكتبون الخطاب الهادئ والذين كانوا يدافعون عن ثوابت النظام . ليتحولوا لاشد الناقدين لهذه اللجنة وللمهمات الموكولة لها ولتشكيلتها .كما تم اثارة الكثير من الاشاعات عن عمل اللجنة وحتى قبل ان تباشر اجتماعاتها وعلى شكل تسريبات اثارة ضجة واسعة بين المواطنين . واخذ البعض يعترض على اللجنة كونها قد سحبت الشرعية في بحث هذه القوانين واقرارها من قبل السلطتين التنفيذية والتشريعية ، في حين انهم في الامس كانوا يهاجمون تلك السلطتين ويقولون عنهما انهما عاجزتان عن القيام بالاصلاح وانهما لا يرغبان به .
كما اخذ البعض بطرح تصوراتهم واقتراحاتهم لقانون الانتخابات بالذات ، بحيث ظهرت العشرات من المشاريع لهذا القانون والتي بعضها يهدف لخدمة جهات واحزاب معينة بالذات ، ومنهم من يريد ان يراعي التوزيع الديمغرافي لسكان الاردن ، ومنهم من لا يريد ذلك . ومنهم من يريد ان يعتمد على تساوي عدد الناخبين في الدوائر الانتخابية ويكون لكل دائرة نائب ومنهم من يعارض ذلك . ومنهم من يريد ان يراعي القانون الكثافة السكانية ومنهم من يعارض ويطالب بحق تمثيل للمناطق النائية والاقليات . ومنهم من يريد تعدد الاصوات بعدد المرشحين للانتخابات في كل دائرة . ومنهم من يرد الصوت الواحد . ومنهم من يريد الصوتين او الثلاثة ، ومنهم من يريد صوتاً للدائرة وصوتا للمحافظة وصوتا على مستوى الوطن . ومنهم من يريد اجراء الانتخابات على اساس حزبي بالرغم من عدم وجود الا حزب واحد قادر على ايصال مرشحيه الى المجلس ، ومنهم من لا يريد ذلك . ومنهم من يريد ان يسلب بعض مكونات الاردن حقوقهم ولصالح غيرهم ، ومنهم من يريد منع المجنسين من ممارسة حقهم الانتخابي ، ومنهم من ينطق باسم اصحاب الحقوق المنقوصة حسب ادعائهم . ومنهم من ينطق باسم العشائر ويطالب بانصافها ومنهم من يطلب بتحجيمها . دون ان اجد فكرة واحدة تعطي لجميع مكونات الشعب الاردني حقوقه دون ان تسلب حقوق بعضهم لصالح البعض الآخر . وخاصة مع كثرة الحديث عن الوطن البديل من خلال زيادة تمثيل ذوي الاصول الفلسطينية . وعن الحديث الرافض لذلك والذي يطالب باعادة السلطة للعشائر الاردنية قبل ظهور الدولة الاردنية الحديثة .
ومعظم هذه المشاريع لا تصلح للاردن ولا يمكن ان تنال موافقة الاردنيين عليها مما يعني عدم وجود مفهوم معين لاصلاح قانون الانتخابات ، ونفس الامر ينطبق على قانون الاحزاب والقوانين الاخرى والتعديلات الدستورية .
وحتى من داخل اللجنة نفسها فقد ظهرت ملامح لمواقف وتصرفات غير مطمئنة من قبل بعض اعضائها ، واحاديث وتصريحات متناقضة ، مما جعلني اخشي من ان يعمل البعض على اعاقة عملها او تفجيرها من الداخل ، او استغلال الظرف ليركب فرس البطولة الاسود ويولي هارباً ، مما قد يعرض عمل هذه اللجنة للخطر . كما ان البعض من اعضائها استهوته الشهرة والاستعراض واخذ في عقد اللقاءات والمشاركة في الندوات والمقابلات للحديث عن اعمال اللجنة وعن انجازاتها او عن الاعاقات التي تعترض طريقها ، مع ان مفهوم عمل هذه اللجنة كما ورد في الرسالة الملكية ان تتحاور فيما بينها لايجاد الصيغة المناسبة للقوانين المعهود اليها وضع صيغة لها وبصورة اقرب الى الكتمان والسرية ، لا ان تتحاور حول ذلك من خلال وسائل الاعلام ولا حول طاولات الولائم والمطاعم .
ومن هذا كله ومما سبق وان ذكرته في الحلقات السابقة فأنني ارى ان الحكومة ومجلس النواب واحزابنا السياسية والغالبية العظمى من الشعب الاردني لا يريدون الاصلاح ولا يعملون من اجل تحقيقه ، رغم انهم جميعاً يطالبون به . وربما لان ذلك سوف يسلبهم مواقعهم ومراكزهم الرسمية اذا كانوا من اصحابها ، او سوف يسلبهم سلاحهم لمحاربة الحكومات الاردنية اذا لم يكونوا من اعضاءها ، بالاضافة الى من يريدون ان يبنوا بطولاتهم الشعبوية عليها ، مما يثبت ان الاردن لا يحتاج اعداء له من الخارج .
نحن الآن على اعتاب مرحلة حاسمة في تاريخ الاردن . اما ان نضع اقدامنا على بداية سلم الاصلاح والنجاة اذا ما اجادت هذه اللجنة عملها . او نذهب الى الهاوية جميعاً لا سمح الله اذا لم تنجح في ذلك ، او اذا ما تم رفض جميع مخرجاتها باحكام مسبقة برفضها .
. وحينها ولانقاذ ما يمكن انقاذه فأنني ارى ان يعهد جلالة الملك بهذه المهمة الى عدد محدود من رجال الفكر والقانون والسياسية ، ممن لم يسبق لهم وان تولوا مناصب وزارية ، او عضوية مجالس النواب ، او مناصب عامة قيادية ، وان لا تكون لهم علاقة باحزاب سياسية والجماعات الدينية . ولا يمثلون اتجاهات فكرية وسياسية معينة ، لعلهم ومن هذه الخلفية ان ينجحوا فيما فشل به غيرهم . مع الاخذ بعين الاعتبار ان تحقيق الاصلاح بأي طريقة كانت لا يمكن ان يتحقق بين ليلية وضحاها ، بل ربما احتاج الامر الى اكثر من دورة برلمانية واحدة حتى تأتي أوكلها .
مروان العمد
١٨ / ٧ / ٢٠٢١


تابعوا نبأ الأردن على