خليل النظامي يكتب : صحافتنا .. حين تختار السلامة على "الشجاعة"!

{title}
نبأ الأردن -
كنت أشاهد اللقاء على التلفاز حين وجهت ماري بروس سؤالها لترامب،،،

كان السؤال ابعد من تحد سياسي،، وكان تطبيق مباشر لبديهيات الصحافة المتمثلة باختبار السلطة، ومساءلة القرار، وتعطيل الرواية الرسمية عندما تكون ناقصة. 

نعم صحيح ان ترامب انفعل وهاجم، ورفع صوته، لكن ما لفت انتباهي لم يكن غضبه، بل وجود صحفية تدرك ان دورها ليس ارضاء من امامها، بل وضعه تحت الضوء مهما كان الثمن.

وعند انتهاء المشهد، لم اعد ارى واشنطن، بل رأيت الاردن على الفور،،،

رأيت أساتذة كليات الاعلام وغرف الاخبار الذين يدربون الطالب والصحفي على السلامة اكثر من الشجاعة، وعلى تفادي الاسئلة قبل طرحها. 

رأيت المؤسسات التي تخشى التبعات قبل ان تعرفها، والصحفيين الذين يعرفون الحقيقة لكنهم يعلمون ان قولها ليس متاح دائم ولا آمن،،،

ورأيت أن المشكلة ليست نقص جرأة فردية، بل خلل بنيوي في علاقة الصحافة بالسلطة. 

فالسلطة في الاردن لا ترى الصحافة شريك او رقيب او مساحة لتصحيح المسار، بل تعتبرها امتداد للدولة او وسيط ينظم تدفق الاخبار. 

وهكذا يتحول الصحفي الى ناقل لا كاشف، والى ميسر معلومات لا منتج معرفة، وبالتالي يترسخ نموذج مهني يقدم الحدث على الحقيقة، والسرعة على الدقة، وراحة المصدر على حق الناس في المعرفة.

وانا اتابع سؤال بروس، ادركت ان الفارق بيننا وبين صحافة قادرة على مساءلة السلطة ليس مهارة فقط، بل بيئة كاملة، تتمثل بقوانين تضيق، ومؤسسات تخشى الخسارة، واقتصاد اعلامي هش، وثقافة تصنف السؤال الجريء على انه تهور. 

والاخطر ان الجمهور نفسه اعتاد الضعف،، اعتاد الخبر بلا خلفية، والقضية بلا ملف، والاختفاء المفاجئ للقصص الحساسة وهو ما جعل المسافة تتسع بين المواطن وبلده. 

ما شاهدته كان درس قاسي،، فالصحافة ليست شاشة تنقل المشهد، بل اليد التي تزيح الستار عنه. 

وفي الاردن، الستار ما زال ثقيل، واليد التي يجب ان ترفعه مقيدة او خائفة او مرهقة من محاولات رفع انتهت الى الصمت.
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير