د. وليد العريض يكتب: المرأة الفلسطينية: رمز الأرض والمقاومة

{title}
نبأ الأردن -
من  ديوان: هي الأرض حين تتكلم

حين تتكلم الأرض، لا تحتاج إلى صوتٍ بشري يكفي أن تنظر إلى عيني امرأة فلسطينية كي تسمع النداء.
هي المرأة التي حوّلت بيتها إلى خندق وفطيرتها إلى سلاح ودمعتها إلى قنبلة وعي.
هي التي لم تطلب حماية من أحد، بل صارت هي الحامية، الحارسة الحاضنة للألم والنار والولادة.
في هذا الفصل الشعري لا نتغزّل بالمرأة كرمز، بل نراها كما هي:
جدارًا من حجارة الطين وسارية من دمعٍ وصلابة وبندقيّة محشوّة بالحليب.
نكتب عنها لا لنمدحها بل لنتعلّم منها معنى الصمود.
نكتب عنها لا لنرثيها، بل لنعلن أنها وحدها، صوت الأرض حين تختنق بالصمت.

وهذه قصائدي :

1. فطيرة أميرة قلبي  
أمي كانت تخبز تحت
 القصف
تُرضعنا الصبر في كفّها
وتغنّي للقمح أغاني الرحيل
ثمّ تضحك وتقول:
لن نموت حتى نُطعم الوطن.
كانت تنقش على الفطيرة أسماء إخوتي
وتخبئ في العجين قُبلةً للمقاتلين
فكان خبزها أشهى من العيد
وأقدس من المزامير.

2. الزيتونة التي أنجبت بندقيّة
زرعتها في حضن الجبل
وقالت: هذه بنتي.
كبرت الزيتونة،
وحين جاء المحتل
أخرجت من جذعها بندقيّة
وقالت للريح:
بلّغي الرسالة: هذه أرضي، وهذه ابنتي.

3. ثوبها المطرّز بالرصاص
ثوبها المطرّز لم يُحك من خيوط فقط
بل من رائحة الخبز، ومن دمع الشهداء
على كمه نقشَت خريطة العودة
وعند الصدر وضعت طلقةً يتيمة
قالت: هذا ثوبي
 وهذا درعي.
فارتجف الجندي أمام غرزةٍ من صبرها.

4. أم الشهيد سيّدة الزمن
وقفت عند قبره كأنها شجرة
لا تهتزّ، لا تذبل، لا تُكسر.
قالت للسماء:
خذوا فلذة كبدي
لكن أعيدوا لي تراب بلادي.
وأشارت إلى الجبل:
هنا تركتم وجعي
 وهنا سأصنع نصرًا.

5. فاطمة تُرضع الوطن
أرضعت ابنها فكبرت فيه البلاد
وصار إذا جاع شرب من ثدي الحنين
وإذا بكى
 هدّأته بحكاية عن حصارٍ
وصبرٍ
وقمرٍ كان يدلهم على طريق القدس.
فاطمة لم تكن أمًّا فقط
بل وطنًا يتدفّق بالحليب والمقاومة.

6. ريحانة الطريق إلى القدس
كانت تمشي وحدها
تخفي في حقيبتها كتبًا
وأغنية قديمة عن القدس
وقنبلة.
قال لها الجندي:
ماذا تحملين؟
قالت: ذاكرتي.
فتراجع.

7. ندى تمشي على حاجز
ندى تمشي كما تسير الشمس.
لا بطاقة، لا إذن، لا حاجز يوقفها.
في يدها حقيبة
وفي قلبها غضبٌ لا يُرى.
أوقفتها بندقية
فقالت: أنا ابنة هذه الأرض
وأنتم غرباء حتى ولو لبستم الحدود.

8. عيناها نافذتان للنكبة
في عينيها خريطة
وفي مقلتيها
 نكبةٌ تسكن.
لا تحتاج إلى كلام
فقط نظرة
فتقرأ فيها النكسة واللجوء
والكلمة التي لم تُقال بعد:
سأعود ولو بعد ألف عام.

9. صورةُ شهيدةٍ على الحائط
صورةٌ قديمة
شعرٌ مبعثر
كوفية
وابتسامة تمشي نحو الخلود.
على الجدار لا غبار
فالجدة تنظفها كل صباح
وتقول للصغار:
انظروا جيدًا
هذه أمّكم التي ماتت كي تُولدوا.

10. هي لا تنتظر فارسًا بل صباحًا حرًّا
لم تكن تحلم بفارسٍ على حصان
بل بفجرٍ لا يُقصف
بطفلٍ لا يُقتل
وبعلمٍ لا يُمزّق.
هي لم تُحبّ الأساطير
بل أحبّت الحياة
وقالت: أنا أنثى
لكنني أيضًا وطن.

 وختاما :هنا لا تنتهي الحكاية
بل تبدأ من جديد مع كل ولادة، مع كل زغرودة و مع كل جرحٍ مفتوح على الحلم.
المرأة الفلسطينية ليست ظلًّا في قصة الوطن
بل هي النصُّ الكامل
الصفحة الأولى
والتوقيع الأخير على وثيقة الحرية.
نُهدي هذا الفصل إلى كل أمّ، أخت، ابنة، زوجة، شهيدة وأسيرة
إلى كل من قاومت
إلى من خَبزت الثورة واحتضنت المطر
إلى من لا تزال تقف، كل يوم، في وجه الريح
وتقول:
أنا الأرض
 أنا من تتكلم.

(د. وليد العريض)
مؤرخ، أديب، شاعر وكاتب صحفي
 حزيران 2024
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير