"توثيق التّراث الكتابي بين الأساليب التّقليديّة والآفاق الرّقميّة" ورشة أردنيّة وطنيّة رائدة في الجامعة الأردنيّة

نبأ الأردن -
نظّم مركز الوثائق والمخطوطات ودراسات بلاد الشّام في الجامعة الأردنيّة، بالتّشارك مع كلّيّة الملكة رانيا للسّياحة والتّراث في الجامعة الهاشميّة، الورشة السّنويّة الأولى في توثيق التّراث الكتابي تحت عنوان: "بين الأساليب التّقليديّة والآفاق الرّقميّة"، بمشاركة نخبة من الأكاديميّين والباحثين والخبراء المحلّيّين والدّوليّين في مجالات النّقوش والمخطوطات والذّكاء الاصطناعيّ.
وأعربت وزيرة السّياحة والآثار لينا عنّاب في كلمتها عن سعادتها بالمشاركة في هذه الورشة التي تُعقد في "رحاب الجامعة الأردنيّة العريقة"، مؤكِّدةً أنّ توثيق التّراث الكتابي يمثِّل "مبادرةً علميّةً متميّزةً تجمع بين الأصالة والابتكار، وتسهم في ترسيخ مكانة الأردنّ كمرجعٍ علميٍّ وثقافيٍّ في مجال النّقوش والتّراث الكتابي".
وثمّنت عنّاب جهود مركز الوثائق والمخطوطات في الجامعة الأردنيّة وكلّيّة الملكة رانيا للسّياحة والتّراث في الجامعة الهاشميّة على تنظيم هذه الورشة، مؤكِّدةً التزام الوزارة بدعم هذا النّوع من الفعاليّات لتصبح تقليدًا سنويًّا ثابتًا.
وأضافت أنّ "النّقوش تعطي صوتًا للماضي وتحمل إلينا قصص الأجداد كما كتبوها بأيديهم، دون وسيط أو تحريف"، مشيرةً إلى أنّ هذه النّقوش تروي تفاصيلَ دقيقةً عن الحياة الاجتماعيّة والدّينيّة والسّياسيّة، وتعدّ وثائقَ صادقةً عن العصور القديمة.
ولفتت النّظر إلى أنّ الأردنّ يضمّ أكثر من 60 ألف نقشٍ عربيّ تمّ توثيقه ضمن قاعدة بيانات "أوسيانا" الدّوليّة بجهودٍ بحثيّة بقيادة الدّكتور مايكل ماكدونالد، كما أشارت إلى اكتشاف نقشٍ هيروغليفيٍّ في وادي رم يُنسب إلى الفرعون رمسيس الثّالث، ما يعكس عمق الأردنّ التّاريخيّ ودَوره الحضاريّ كملتقى طرق بين الحضارات.
وشدّدت عنّاب على أهمّيّة التّوثيق العلميّ الدّقيق للتّراث الكتابي كمسؤوليّة وطنيّة، منوّهةً إلى جهود الأردنّ في هذا السّياق بدءًا من "مشروع المدوّنة" في جامعة اليرموك في الثّمانينات، ووصولًا إلى المشروع الوطنيّ لتوثيق النّقوش الذي أطلقته دائرة الآثار العامّة عام 2018.
وأشارت إلى دَور الذّكاء الاصطناعيّ في تسهيل قراءة النّقوش المتضرّرة، وتحليلها، وبناء قواعد بيانات تفاعليّة تساعد على إعادة بناء الأجزاء المفقودة من النّصوص القديمة، وفتحِ آفاقٍ جديدة في فَهم التّاريخ.
من جهته، أكّد رئيس الجامعة الأردنيّة الدّكتور نذير عبيدات أنّ التّحوّل إلى الأرشفة الإلكترونيّة وإدارة الوثائق الرّقميّة ضرورةٌ ملحّة في العصر الرّقميّ، وليس خيارًا، وشدّد على أهمّيّة تزويد المختصّين في الوثائق والمخطوطات بالمهارات الحديثة، والتّحوّل من الأنظمة الورقيّة إلى حلولٍ مؤتمتةٍ وآمنة.
وأشار إلى أنّ "حضارة الأمم ومستوى مدنيّتها يرتبطان بقدرتها على حفظ الموروث الإنسانيّ"، موضِّحًا أنّ استخدام التّقنيات الحديثة لا يضمن فقط الحفاظ على هذا التّراث، بل يضمن أيضًا سهولة الوصول إليه واسترجاعه.
وأكّد عبيدات أنّ ما بعد جائحة كورونا فرض متغيّراتٍ أبرزها التّحوّل الرّقميّ، داعيًا إلى وضع سياساتٍ واضحة للأرشفة الرّقميّة تتماشى مع المعايير التّنظيميّة والتّقنيّة، وموجِّهًا التّحيّة لمركز المخطوطات ومكتبة الجامعة على جهودهم في صون التّراث الوثائقيّ والهاشميّ.
بدَوره، أشاد رئيس الجامعة الهاشميّة الدّكتور خالد الحيّاري بأهمّيّة الورشة، مشيرًا إلى أنّها تأتي تتويجًا لجهودٍ مشترَكة بين الجامعة الأردنيّة والهاشميّة، وبرعايةٍ وزاريّة تؤكّد الدّعم لقضايا التّراث الوطنيّ وحفظ الذّاكرة الثّقافيّة.
وقال الحيّاري إنّ الورشة تواكب عصر التّغيّرات الرّقميّة، وتستهدف حماية هُويّة الأمّة من خلال تطوير أدواتٍ رقميّة دقيقة تحفظ التّراث الثّقافيّ وتوثّقه رقميًّا.
ودعا إلى إطلاق مشروعٍ وطنيّ متكامل لإنشاء قاعدة بيانات رقميّة موحّدة للتّراث الكتابيّ الأردنيّ، تشمل جميع أشكاله، باستخدام أدوات الذّكاء الاصطناعيّ، بما يضمن استدامة الحفظ والوصول إلى المعلومة للأجيال القادمة.
من جهتها، اعتبرت مديرة مركز الوثائق والمخطوطات ودراسات بلاد الشّام الدّكتورة ندى الرّوابدة أنّ الورشة تمثّل خطوة متقدّمة نحو حفظ ودراسة وتفسير النّقوش والوثائق المكتوبة، مؤكّدةً أنّ عِلم النّقوش يقع عند تقاطع التّاريخ والآثار واللّغة، ويعتمد تقليديًّا على أدواتٍ دقيقة كالرّسم والتّحليل الفوتوغرافيّ.
وأوضحت الرّوابدة أنّ الورشة تبحث في مزيجٍ من الأساليب التّقليديّة والتّقنيات الرّقميّة، وتشمل محاورَ عن أخلاقيّات المشاركة الرّقميّة، وحفظ البيانات، وإتاحة الوصول المفتوح إليها، مشدّدةً على أنّ الهدف ليس إقصاء القديم لصالح الجديد، بل دمجُ الخبرتَين.
من جانبه، أكّد عميد كلّيّة الملكة رانيا للسّياحة والتّراث في الجامعة الهاشميّة الدّكتور نايف حدّاد أنّ الورشة تناقش التّحوّل في طرق التّوثيق من التّقليديّة إلى الرّقميّة، بما في ذلك تحليل النّصوص باستخدام الذّكاء الاصطناعيّ، وبناء قواعد بيانات ذكيّة تحفظ التّراث وتربطه بسياقه الميدانيّ.
وأشار إلى أنّ الورشة تشمل قضايا مثل أخلاقيّات الأرشفة، وحقوق الملكيّة الفكريّة، والأمن الرّقميّ، مؤكّدًا أنّها تمثّل خطوة حاسمة في ظلّ التّحوّلات الرّقميّة، خاصّة مع توجّه الكلّيّة إلى تنظيم مؤتمر دوليّ بعنوان "التّراث الرّقميّ في عصر الذّكاء الاصطناعيّ: من المحتوى إلى التّواصل" ضمن استراتيجيّتها في 2025-2028.
وشدّد على أنّ الذّكاء الاصطناعيّ لم يعد مجرّد أداة تقنيّة، بل أحد أبرز العوامل التي قد تشكّل مستقبلَ التّراث الثّقافيّ والسّياحة والمتاحف، داعيًا إلى استثماره بحكمةٍ لخدمة الإنسان والهُويّة والبيئة.
واشتملت الورشة على جلسات علميّة متخصّصة، حيث قدّم الدّكتور مايكل ماكدونالد من جامعة أكسفورد ورقةً بعنوان "اللّعب والغرابة في النّقوش الصّفويّة"، بينما ناقش الدّكتور أحمد الجلّاد من جامعة ولاية أوهايو دَور الذّكاء الاصطناعيّ في علم النّقوش.
كما قدّم الدّكتور سلطان المعاني ورقةً بعنوان "أدب النّقوش: الماضي والحاضر وعصر الذّكاء الاصطناعيّ"، وشارك الدّكتور أحمد لاش من دائرة الآثار العامّة بعرضٍ حول توثيق التّراث الكتابيّ في وادي رم والرّقمنة.
في حين تناول الدّكتور فراس السّليحات من كلّيّة طبّ الأسنان موضوع "الأسنان في علم الآثار والذّكاء الاصطناعيّ"، وقدّم الدّكتور علي المناصير من الجامعة الهاشميّة عرضًا حول الرّقمنة في توثيق التّراث الكتابيّ في الأردنّ.
واختتمت الورشةُ فعاليّاتها بالتّأكيد على أهمّيّة التّعاون بين المؤسّسات الأكاديميّة والثّقافيّة لإطلاق مشروعٍ وطنيّ لتوثيق التّراث الكتابيّ الأردنيّ رقميًّا، يدمج بين الأساليب التّقليديّة والتّقنيات الحديثة، ويراعي خصوصيّة النّقوش وسياقاتها التّاريخيّة.
وتضمّنت التّوصيات الدّعوة إلى تطوير أدواتٍ رقميّة تفاعليّة، واعتماد الذّكاء الاصطناعيّ كأداة في حفظ الذّاكرة الثّقافيّة، وتعزيز الشّراكات بين الجامعات والهيئات التّراثيّة محلّيًّا ودوليًّا.