جهاد مساعده يكتب: خطأ مطبعي في ذاكرة وطن

{title}
نبأ الأردن -
الجزء الثاني: الأبطال الحقيقيون

في الزاوية نفسها من الأرشيف القديم،
حيث يتكاثر الغبار كأنه حارس الزمن،
جلس الموظف ذاته.
لكن هذه المرة، لم يكن يقلب أسماءً سقطت بالخطأ على رفوف التاريخ،
بل كان يبحث عن أسماءٍ كان يجب أن تُكتب، ولم تُكتب قط.
مدّ يده المرتجفة نحو درجٍ مهجورٍ في أقصى الزاوية،
يتوقع أن يعثر على أوراقٍ منسية، شاهدةٍ على زمنٍ منسي،
لكنه لم يجد سوى الفراغ:
لا شهادات،
لا صور،
ولا حتى أثرٌ بقلمٍ مرتجف.
خيّم صمتٌ ثقيل، تردده أنفاس الغائبين،
كأن الأرواح التي بنت المكان تصرخ فيه بلا صوت.
تساءل الموظف في داخله، ومرارة الصمت تخنق قلبه:
أين ملفات الذين شيّدوا المدارس ولم يرفعوا أسماءهم فوق بواباتها؟
أين أوراق الذين رصّوا الجسور حجرًا فوق حجر،
ثم عبرها الناس دون أن يلتفتوا إلى الأيادي التي شيّدتها؟
لم يجد جوابًا.
كانوا هناك:
في كل بناءٍ قائم،
وفي كل طريقٍ ممدود،
وفي كل فصلٍ دراسي ضجّ بحياةٍ لا تذكر أصحابها.
كانوا، وما زالوا،
أبطالًا حقيقيين،
عبروا الحياة كما تعبر الرياح الحرة:
تترك ندبتها على وجه الزمن،
ثم تمضي بلا توقيع.
ولأنهم لم يصرخوا في وجه التاريخ،
مرّ عليهم الزمن كأنهم لم يكونوا،
ونسيتهم السجلات،
كأنما العظمة بحاجة إلى ضجيج لتُكتب.
ابتسم الموظف ابتسامةً مرة،
ومدّ يده نحو الدرج، كمن يغلق على وجعٍ يعرف أنه لن يندمل،
وهمس لنفسه:
الخطأ ليس فقط في أن أسماءً زائفة خُلّدت،
بل في أن بطولاتٍ حقيقية دُفنت تحت أكوام الغبار.
ثم أغلق الدرج الفارغ بهدوء،
وعاد إلى مكتبه الباهت،
موقنًا أن بعض البطولات
لا يحفظها أرشيف،
ولا توثقها رفوف،
بل تسكن قلوبًا عرفت أن العظمة الحقيقية لا تحتاج صراخًا، ولا تنتظر تصفيقًا.
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير