د.حسن براري يكتب : فلسطين بين الشتائم والسياسة

{title}
نبأ الأردن -
منذ ثلاثينيات القرن الماضي، والساسة الفلسطينيون يتفننون في ابتكار أشكال جديدة من الانقسام الوطني. تارةً يدور الخلاف حول من يملك الحق في التفاوض، وتارةً أخرى حول من يحدد المقبول أو المرفوض وطنياً. أفضل من كتب عن هذه الحالة هو البرفيسور رشيد الخالدي من جامعة كولومبيا في كتابه "القفص الحديدي".

واليوم، يتكرر المشهد ذاته، ولكن هذه المرة بين "سلطة الشتائم" و"حكومة الصواريخ".

الرئيس محمود عباس (المنتخب ديمقراطيا بنسبة 62%، والذي انتهت ولايته منذ خمسة عشر عاماً) لا يرى في حركة حماس سوى ذريعة تستغلها إسرائيل لتبرير استمرار حربها لإبادة الشعب الفلسطيني. وفي تعليقه على أزمة الرهائن، صرح عباس قائلاً: "يا أولاد الكلب، سلّموا اللي عندكم وخصلونا"، في إشارة إلى الرهائن المحتجزين. استخدام مثل هذه العبارات، التي غالباً ما تُنسب إلى زعماء المقاهي، أصبح جزءاً من الخطاب السياسي الفلسطيني تحت قيادته. وعباس الذي بات عاجزًا تماما لا يقول لنا كيف أن مقاربة المفاوضات التي نادى بها منذ اتفاق أوسلو نجحت في الوصول إلى التحرير.

على الجانب الآخر، تتمسك حركة حماس (المنتخبة ديمقراطيا بنسبة 44% من الأصوات، والتي انتهت ولايتها أيضاً منذ خمسة عشر عاماً) بورقة الأسرى كما لو كانت "الجوكر" في لعبة السياسة. وهي تراهن على صفقة لا تحرر الأسرى فحسب، بل تُجبر الاحتلال على الرحيل.

وبينما ينتقد عباس أسلوب حماس، تصر الحركة على أن "الجلوس في المقاطعة" لن يعيد شبراً من الأرض، وأن المقاومة المسلحة هي السبيل الوحيد لفرض إرادة الحق واستعادة فلسطين من النهر إلى البحر.

لكن المشكلة ليست في صحة أو خطأ مواقف أحد الطرفين. المأساة الحقيقية هي الثمن الذي يدفعه الفلسطيني العادي، الذي لا علاقة له بصراع الشعارات ولا بصواريخ المقاومة، بل يسعى فقط لحماية أطفاله من القذائف والموت المجاني. فماذا لو تخلى الجميع عن احتكار الحقيقة، وتوقفوا عن تبادل الإهانات والاتهامات والشتائم؟ وماذا لو أدركوا أن الشعب الفلسطيني لا يحتاج إلى "زعيم يشتم" أو "حركة تراهن"، بل إلى قيادات تضع أرواح الناس فوق كل اعتبار؟

ربما آن الأوان لابتكار مفهوم جديد: "مقاومة بالوحدة"، حيث تصبح السياسة وسيلة لإنقاذ الأرواح، وليس لإشعال المزيد من الانقسامات والحروب. ومع ذلك، في ظل هذا الانقسام المزمن، يتلاشى الأمل في وحدة فلسطينية حقيقية، فهي حلم جميل، لكنه أقرب إلى المستحيل!

هذه الصورة القاتمة تزداد بشاعة عندما يدرك الجميع أن الصراع السريالي بين فتح وحماس على كرسي هش لا يعني شيئًا بينما تتبخر القضية الفلسطينية على نار ثنائية الاستيطان والطرد. فإسرائيل لا تريد فتح ولا حماس، بل تريد الأرض فارغة، وعلى دول الجوار الاستيقاظ قبل الفجر.
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير