سهم العبادي يكتب : السحيج…

{title}
نبأ الأردن -
منذ ما يُعرف بـ"الربيع العربي"، ومنذ أن بدأ البعض يشتم الوطن ليلًا، ويتحدث عنه بحياد نهارًا، لاحقت الأردنيين تهمة واحدة تُستخدم كالسيف المسلول كلما رفعوا رؤوسهم: "سحيج".
إذا قلت: "الله يحمي الجيش”، فأنت سحيج.
إذا قلت: "الملك خط أحمر”، فأنت سحيج.
إذا قلت: "أنا مع الأمن”، فأنت سحيج.
وإذا قلت: "أنا أردني، من عشيرة، من بطن قبيلة، من أصلٍ طاهر في هذا التراب”، أصبحت فورًا "عنصري” و”رجعي” و”متحجر” و”يجب محو وجودك عن سطح الكوكب".

تُرى، من نحن؟
نحن أبناء هذا البلد، نحن من خاضوا معارك الوعي والانتماء منذ كان الحرف مكتوبًا على ورق الجرائد لا على حوائط الفيسبوك.
نحن من حملوا الشبرية في الأعراس، لا في المشاجرات.
نحن من حلمنا بجندية الجيش، لا بالمنحة من الخارج.
نحن من تربى على صورة الحسين، وسمع صوت وصفي في أحلام والده، لا على خطابات الغرباء وتغريدات المدسوسين.

فجأة، أصبح الانتماء تهمة،
أصبح الدفاع عن الوطن "تسحيج”،
وأصبح ابن المؤسسة الأمنية "تابعًا”، وابن العشيرة "متخلفًا”، وابن الفقير الذي يضع العلم على كتفه في التوجيهي "أداة سلطة”،
بينما من يُشتم البلد، ويُحاضر علينا بالديمقراطية وهو يكتب بيانه بتمويل خارجي… أصبح "مفكرًا” و”صاحب رؤية وطنية”.

نحن لا نُدافع عن أشخاص… نحن ندافع عن ذاكرة.
عن خيمة كانت في خو، عن مقبرة فيها شهيد بلا اسم، عن صورة على حائط ثكنة، عن قَسمٍ قاله جدّنا ذات صباح، ودمعة خبّأها أبونا في عينيه لما هتف الناس للجيش في معركة الكرامة.
نحن لا نرتزق من الوطن… نحن نرتقي به.
نحن لا نمتهن الدفاع عن المؤسسات… نحن نحملها من تحت.
نحن لا نُعادِي من يختلف معنا… لكننا نعرف تمامًا من يُعادينا باسم الحرية.

من يرمينا بتهمة "السحيج"، ليس نقيًا كما يدّعي…
قد يكون متصلًا عبر "الآيبان" مع مؤسسة أجنبية، أو يكتب تقاريره في "جروب مش عيب عليكم"، أو يعتاش على مواقف مصنّعة على بُعد آلاف الكيلومترات من هنا.
هؤلاء الذين يوزعون صكوك الوطنية على من يهاجم، ويمنحون أوسمة "الحرية" لمن يشتم، ويُقصون من قال "أنا مع وطني" لأن صوته لم يكن يروق لهم.

كل من بقي صامدًا، كل من لم يبدّل وجهه، كل من لم يشترِ راية جديدة في المزاد… صار سحيجًا.
وإذا كانت هذه التهمة تُمنح للذين يدافعون عن الأردن… فنحن نطالب بها فخرًا.

نحن نُحب هذا الوطن لأننا أبناؤه، لا وكلاؤه.
نحن لا نتقن شعارات الكراهية، ولا نعزف على وتر الفوضى، ولا ندّعي النضال في قاعات الفنادق…
نحن من نحمل الأردن في ملامحنا ولهجتنا ومصطلحاتنا، في وجوه آبائنا، في سجلات خدمة إخواننا، في مآذن قُرانا، في دفاتر القرض العسكري، في استقامة العسكري، في حرارة الفاتورة، وفي "كيفك خال؟" لما يوقفنا دركي بابتسامة.

أنتم تملكون "المنصات"… ونحن نملك "الضمير".
أنتم تصنعون اللحظة… ونحن نزرع الجذور.
أنتم تحلمون بوطن يشبه الخارج… ونحن نحلم بأردن يبقى كما عرفناه: أبيض، بسيط، مهيب، ومليء بالمؤمنين به.

أيها الأردني،
لا تخجل إن نعتوك بالسحيج…
فأنت آخر سلالة من أحبوا بلادهم بصدق، من ساروا خلف نعش شهيد لا يعرفونه، من وقفوا تحت المطر يهتفون للعلم، من صافحوا الجندي لأنهم رأوا فيه الأمان،
فأنت الأصل… وكل الباقي هو الارتداد.

نحن لم نأتِ إلى هذا البلد من "اليوتيوب"، ولم ننزل عليه من السحاب، نحن لم نصنع وعينا في مؤتمرات مغلقة، ولم نبع قناعتنا على قارعة السفر.
نحن جئنا من الطين، من الكرك والسلط ومعان والمفرق وعجلون والبادية والشمال والجنوب والوسط، من عرق الفلاح، من كفّ العسكري، من بكاء الأم على الشهيد، من الحطب في كانون القرية، من الخبز الذي يعلّق على مسمار البيت "للي ما عنده".

نحن السحيجة…
نحن حماة المؤسسات، نحن أوتاد المعسكر، نحن صوت النشيد الصادق،
نحن الذين قالوا ذات يوم: "والله لنرميهم على الرُبى”… فصدقنا، وما زلنا نصدق.

وإن كانت هذه التهمة هي ضريبة الانتماء…
فليشهد التاريخ أننا أول من دُفع له فاتورتها، وآخر من أنكر وجودها.

نحن نؤمن بالأردن العظيم وشعبه وقيادته وكل ومؤسساته.
تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير