المطبخ الموريتاني.. نكهات مغاربية وذوق إفريقي

{title}
نبأ الأردن - يعكس المطبخ الموريتاني تاريخ وحضارة وعادات سكان الصحراء في هذه البقعة الجغرافية المترامية الأطراف التي تربط بين المغرب العربي وإفريقيا جنوب الصحراء، فما بين كرم الضيافة وسماحة سكان الصحراء وتواضعهم وصبرهم على شظف العيش وتأقلمهم مع المتوفر من الغذاء، جاءت الأطباق الموريتانية سريعة التحضير، مكتفية بالمتوفر من المنتجات المحلية، وبكميات كبيرة تسمح للمضيف بمشاركة طعامه مع ضيوف وزوار لم يتوقعهم.
وتتميز غالبية الأطباق الموريتانية بأنها بسيطة وسهلة الإعداد وقليلة التوابل والبهرات، تعتمد كثيرا على اللحم والسمك والدقيق والأرز، ما يجعلها غنية ودسمة ومتناغمة مع ما تنتجه البلاد، لكنها ليست متنوعة بالشكل الذي يسمح بإعداد وجبات مختلفة يوميا وتكون في متناولة جميع الأسر.

من جهة أخرى فإن غالبية هذه الأطباق يتم إعدادها بكميات كبيرة بسبب خصوصيتها وطريقة إعدادها، وحتى تكون كافية ليس فقط لأفراد الأسرة في مجتمع لا تزال الأسر الممتدة تشكل غالبيته، بل لتسمح للمضيف بمشاركة طعامه مع أي زائر، كالكسكس باللحم والأزر مع السمك.
الشواء ولحم الغزلان
المجتمع الموريتاني مجتمع بدوي مارس منذ القدم تربية الماشية، لذلك يعتبر الشواء بجميع أصنافه الطبق المفضل لجميع الموريتانيين، حيث نجده حاضرا في أعراسهم وعلى موائد إكرام الضيوف وبالأكلات اليومية، ويتم إعداده باختيار قطع طرية ومحددة من لحم الضأن كالكبد والكتف والأضلاع، ووضع القليل من الملح عليها ثم وضعها لدقائق على الفحم الطبيعي.

إضافة إلى الشواء يولي الموريتانيون مكانة مهمة في مطبخهم للحم الإبل باعتباره الأكثر إنتاجا في مزارعهم ومراعيهم ولارتباطهم الشديد بالإبل، حيث يعتمدون على لحومها لإعداد "أطاجين" و"الفلكة" و"بنافا" وهي أكلات يتم تحضيرها بلحم الإبل وقطع من البصل والقليل من الملح والماء، وتوضع على نار هادئة لدقائق معدودة.

وإذا كان لأسلوب الحياة السابقة تأثير على المطبخ الموريتاني فجاء بسيطا معتمدا على لحوم الأغنام والإبل بالدرجة الأولى، فإن الصيد ورحلات البر كان لها أيضا تأثيرها عليه حيث إنها تركت بصمتها على بعض أنواع الأكلات كـ "التشطار" الذي يتم إعداده من لحم الغزلان، بتجفيفه ليصبح صالحا للأكل على فترات طويلة.

غير أن تناقص أعداد الغزلان الإفريقية المرتحلة التي تعيش بصحاري موريتانيا، جعل أكلة "التشطار" نادرة ورفع سعر لحم الغزلان المجفف إلى أرقام قياسية.
السمك يسحب البساط
يعتمد المطبخ الموريتاني أساسا على اللحوم، ويأتي لحم الإبل في المرتبة الأولى نظرا لتوافره بالأسواق ولخصائصه الغذائية والعلاجية، باعتباره أقل أنواع اللحوم احتواء على دهون، وفي المرتبة الموالية تأتي لحوم الغنم والبقر والماعز، أما لحوم الدجاج فلا يتم استهلاكها بكميات كبيرة مقارنة بباقي أصناف اللحوم.

أما الأسماك فلم يتم إضافتها للمطبخ الموريتاني إلا حديثا، تحت تأثير المطبخ السنغالي والإفريقي عامة، فالمجتمع البدوي بموريتانيا كان يعيش بعيدا عن البحر ومكتفيا بلحوم الإبل والغنم بالتالي فإن الأسماك لم تدخل في أطباقه المفضلة إلا حديثا، بعد أن تأسست الدولة وأصبح نصف سكان البلاد يعيشون بمدن على البحر.

وإلى وقت قريب كانت التقاليد البدوية تحذر من استهلاك الأسماك، فقامت الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني بحملات توعوية للتشجيع على استهلاك السمك خاصة بولايات الداخل الموريتاني البعيدة عن الشاطئ، داعية السكان إلى الاستفادة من ثروات البحر في بلادهم التي تعتبر من أغنى شواطئ العالم بالأسماك.
واليوم في العاصمة نواكشوط والعاصمة الاقتصادية نواذيبو حيث تعيش غالبية سكان البلاد، لا طبق أشهر وأحب لدى الموريتانيين من الأرز والسمك المعروف محليا بـ "مارو والحوت"، وهي أكلة منتشرة بجميع أنحاء غرب إفريقيا يطلق عليها "ثيبوديان"، لكن بنسختها الموريتانية تبدو أقرب للذوق البدوي، فقط أضاف لها الموريتانيون بعض الإضافات وخففوا من حدة الطعم المالح والحار الذي يميزها بغرب إفريقيا.

يستغرق تحضير أكلة "مارو والحوت" وقتًا طويلاً نسبيا وهي تمر بعدة مراحل لكن النتيجة تستحق الجهد كما يقول عشاق هذه الأكلة، وهي تحتاج سمك القرش الذي يتم تتبيله بوضع الكثير من البهارات والفلفل الحار بداخل قطعه ثم يتم قليها ووضعها جانبا، فيما يتم طهي أنواع مختلفة من الخضر كالجزر والباذنجان والقرع واللفت والبامية والتمر الهندي باستعمال الزيت الباقي عن قلي السمك، بإضافة الكثير من التوابل والفلفل الحار ومياه كافية لطهي الأرز لاحقا.

تتم إعادة قطع السمك المقلي للقِدْر بعد نصف ساعة من وضع الخضر به، ثم لاحقا يتم عزل الخضر والسمك عن المياه الناتجة عن طهي السمك والخضر، وتتم إضافة كمية من الماء كافية لطهي الأرز على نار هادئة.. وفي النهاية يتم التقديم بوضع الأرز أولا في طبق كبير تم تتوسط قطع السمك أعلى الطبق محاطة بالخضر ومزينة بالسمك المجفف وقطع الحامض.

الأرز واللحم
أدى الإقبال الكبير على أكلة الأرز والسمك، إلى ارتفاع أسعار السمك بموريتانيا إلى مستويات قياسية، وإهمال الموريتانيين لأطباق كانت مفضلة لديهم بل إنها كانت أكلات وطنية بامتياز كالأرز واللحم، و"بنافا" (اللحم والبطاطس).

يشبه طبق الأرز واللحم طبق "مارو الحوت" في طريقة تحضيره، وهو عبارة عن طبق مكون من أرز يطبخ بالبخار مع لحم الإبل أو الضأن ويضاف إليه الخضراوات حسب الرغبة، وأحيانا يتم إعداده بدون خضر، ويعتبر من الأطباق المشهورة في موريتانيا.

ومن بين الأكلات التي تتمتع بشعبية أيضا في موريتانيا كما في باقي دول غرب إفريقيا، "مافا" ويتم إعدادها بطهي لحم الماعز أو اللحم البقري في صلصة تتكون من الفول السوداني والبندورة والفاصولياء وبعد فترة من الطهي على نار هادئة يضاف الأرز إلى القدر.

الكسكس الموريتاني
صحيح أن موريتانيا لا تتمتع بقائمة طويلة من الطعام وأن أطباقها محدودة وغالبيتها من تأثير مطابخ جيرانها بالسنغال والمغرب، لكنها مع ذلك استطاعت دمج بعض الأطباق بشكل أنيق لتقدم نكهات أخرى تجمع بين مطابخ غرب إفريقيا والمغرب العربي.

من هذه الأطباق الكسكس الذي أصبح ضرورة متجذرة في تقاليد الطهي بموريتانيا، وله مميزاته وطريقة تحضيره التي تميزه عن الكسكس المغربي، وغالبًا ما تكون هذه الطريقة مصحوبة بإضافة بعض العناصر وحذف أخرى غير متوفرة، وهنا تظهر حنكة وإبداع المرأة الموريتانية التي استطاعت أن توفق بين تقاليد المطبخ البدوي حيث البساطة والموارد المحلية القليلة وبين التأثيرات المتعددة للثقافات بغرب إفريقيا والمغرب العربي.

لا يتم استهلاك الخبز بكميات كبيرة في موريتانيا مقارنة بباقي دول المغرب العربي، حيث إن غالبية الأطباق تحتوي على الأرز أو الكسكس، وبسبب التحديات المناخية لم يدخل الدقيق ضمن أساسيات المطبخ الموريتاني باستثناء ما يُصنع به الكسكس من دقيق الدخن والقمح والشعير.

غير أن منطقة أدرار وسط موريتانيا تشتهر من دون غيرها من المناطق بفطائرها اللذيذة التي تسمى "الكسور" المصنوعة من دقيق القمح أو الشعير مطبوخة في الفرن أو في الرمل المسخن مسبقًا على الجمر.
الشاي والمشروبات
من أشهر المشروبات في موريتانيا حليب الإبل الذي يُقدم طازجًا أو متخثرًا، مع إضافة القليل من الماء والسكر، وفي المرتبة الثانية حليب البقر، ولا يتم شرب الحليب وسط الوجبات، بل إنه بالنسبة للموريتانيين غذاء متكامل يتم تناوله بعيدا عن الوجبات، ومن طقوس الترحيب بالضيف في موريتانيا تقديم كدح من الحليب البارد للضيف بعد قدومه مباشرة.

ومن المشروبات الشهيرة أيضا في موريتانيا عصير المانجو وشراب أزهار الكركديه المعروفة محليا بـ "البيسام"، أما الشاي المشروب الوطني الأول فله حكاية مختلفة لا تحكى إلا في موريتانيا.

تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير