راكان السعايدة نقيب الصحفيين يكتب : "تسطيح المخاطر" لمصلحة من..؟!

نبأ الأردن -
من بين أسوأ ما يمكن أن يحدث لنا، وبيننا، هو تسطيح المخاطر التي يتعرض لها الأردن، وهي مخاطر جدية وحقيقية، لكن نلحظ تقليلًا من شأنها في مقالات ومواقع للتواصل الاجتماعي.
هذا أمر خطير، يغامر بالأردن ووجوده وهويته، ويثير أسئلةً كثيرة عن صاحب المصلحة في هذا التسطيح، ومحاولته إبقاء السياق العام للدولة، بكل مكوناتها، بلا مقاربات قوية ومبادرة للاشتباك مع هذه المخاطر.
ما الذي يحدث..؟
ببساطة شديدة، أميركا في عهد دونالد ترمب مع اليمين المتطرف في "إسرائيل" لديهم الجدية الكافية لتصفية القضية الفلسطينية، مرة وإلى الأبد، وخطواتهم الأساسية "التهجير" من الضفة الغربية وقطاع غزة.
هذا التهجير سيكون باتجاه الأردن ومصر تحديدًا، وأكثر من أي بلد آخر، وتتوافر النية الجدية لدى أميركا و"إسرائيل" لإنفاذ مشروع التهجير، لقناعتهما أن الظروف الحالية تشكل فرصة تاريخية لا يمكن تعويضها.
وإذا كان الأردن لوقت قريب يخشى التهجير من الضفة الغربية، فقد أضاف إليه ترمب التهجير من قطاع غزة، وهو ما لم يكن في حسابات الأردن، أو يتوقعه، على الأقل لم يتوقعه لأسباب جغرافية تجعل أيّ تهجير من القطاع باتجاه مصر لا الأردن.
هل أبالغ..؟
حتمًا لا، لا أبالغ، لأن تصريحات ترمب واضحة للغاية وكرر في الأيام الأخيرة، غير مرة، حديثه عن تهجير أبناء قطاع غزة باتجاه الأردن ومصر.
مبعوث ترمب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف نقلت عنه وسائل إعلام "إسرائيلية" في اليومين الأخيرين تأكيدات عن خطط محتملة لترحيل سكان غزة وناقشها تفصيلًا مع بنيامين نتانياهو.
أخطر ما قاله ويتكوف للقناة 12 الإسرائيلية: "إذا كانت مصر والأردن ترفضان حل ترمب بنقل السكان (سكان غزة) عليهما عرض حل بديل".
من قبل ترمب نفسه تحدث قُبيل انتخابه رئيسًا عن صِغر حجم دولة الكيان وضرورة توسيعها، وهذا التوسيع معناه جغرافي وديمغرافي، أي زيادة المساحة الجغرافية للكيان والتهجير الذي يعطي "إسرائيل" تفوقا عدديًا.
ماذا فعلنا للمجابهة..؟
عمليًا؛ لم نفعل شيئًا، إلى الآن على الأقل، فقط تصريحات مناوئة لمشروع ترمب، وهذه، على أهميتها، غير كافية، وتحتاج تحضيرات عملية، وإجراءات متعددة، وخططًا واستراتيجيات تنفذ على مستويين، داخلي وخارجي.
للأسف، ارتكنّا إلى مشاهد عودة أبناء قطاع غزة إلى شمال القطاع المدمر، وهي مشاهد تبعث على الفخر وتؤكد تمسك أهل القطاع بقطاعهم، وصلابتهم وصمودهم، كان مشهدًا مهيبًا مذهلًا..
لكن هذا الرهان لا يكفي، أبدًا لا يكفي، والاتكاء عليه وحده لإفشال مشروع التهجير اتكاء قاصر عن فهم المآلات.
نعم، عاد أبناء القطاع إلى الشمال، وأكدوا تمسكهم بأرضهم وصمودهم، لكنهم عادوا إلى أماكن لا مقومات للحياة فيها، وأميركا و"إسرائيل" ستعيقان عملية إعادة الإعمار ضمن خطة منهجية هدفها دفع الناس هناك إلى الهجرة.
وعلينا أن نكون واقعيين ومنطقين في تقدير قدرة أبناء القطاع على احتمال العيش بلا أبسط مقومات الحياة.
في الضفة الغربية، أيضًا، ما يفعله جيش الكيان في جنين وطولكرم، ولاحقا في أماكن أخرى، ليس أقل مما فعله في قطاع غزة، مع اختلافات تكتيكية، مع يقيننا أن طبيعة أبناء الضفة مختلفة عن طبيعة أبناء القطاع، والواقع في الضفة مختلف عن القطاع في كل شيء.
ما المطلوب..؟
أول المطلوب أن نعترف بالمخاطر ولا ننكرها أو نسخّفها ونسطّحها، والاعتراف بداية ضرورية لتصميم مقاربات الاشتباك معها، ومن ثم بناء "خلية أزمة"، وهو ما طالبت به سابقًا، وليس شرطًا أن تكون علنية، لإدارة هذا الملف.
لا يجوز بأي حال المراهنة على "أميركا ترمب" ولا على العهود والمواثيق "الإسرائيلية" فأميركا سبق وأن تخلت عن حلفاء لها، و"إسرائيل" لم تلتزم يوما بعهد أو ميثاق إلاّ إذا كان يخدم مشروعها.
ولأننا أمام حلفاء يمكن أن ينقلبوا علينا في لحظة، وقد أسسوا لهذا الانقلاب أخيرًا، فلا بد أمام ذلك من تصليب الجبهة الداخلية وسد ثقوبها، وتحضيرها للقادم بكل احتمالاته.
كذلك، بالشراكة مع مصر، تجهيز خطة لتفعيل دور الجامعة العربية (على رغم ضعفها)، ومجلس الأمن برغم الفيتو الأميركي، وتنشيط البرلمان العربي والافريقي، وتحريك الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين.
بمعنى: بناء جبهة إقليمية ودولية لمواجهة مخطط تصفية القضية الفسطينية، وإحراج الدول العربية والإسلامية قبل الغربية، ودفعها إلى اتخاذ موقف مناوئ للمشروع الأميركي والإسرائيلي.
كل ذلك يتم تصميمه وتفعيله، مع تزويد أبناء قطاع غزة والضفة الغربية بكل أسباب الصمود، ولهذا أبواب كثيرة.
الخلاصة؛ المخاطر على فلسطين والأردن كبيرة، ولا سبيل للإفلات منها ومن تداعياتها إلاّ بمقاربة منسقة ومحكمة قوية الفاعلية، وبعكس ذلك سندفع جميعًا ثمنًا باهظًا.