د. بشير الدعجه يكتب: دماء البراءة في سيل الزرقاء... صدمة مجتمعية تتطلب وقفة حاسمة و صرخة ألم تكشف خلل الأسرة والمجتمع

{title}
نبأ الأردن -
في حادثة مأساوية هزت وجدان المجتمع الأردني، عُثر على جثتي طفلين في سيل الزرقاء، في واقعة صادمة تجاوزت كل التصورات وأثارت حالة من الحزن العميق والاستنكار الواسع، هذه الجريمة البشعة التي أودت بحياة طفلين بريئين فتحت الباب أمام تساؤلات مصيرية حول الأسباب العميقة لتصاعد العنف الأسري وخطورته على تماسك الأسرة والمجتمع.

وقائع هذه الجريمة المؤلمة تسلط الضوء على ضرورة الوقوف بجدية أمام مجموعة من الأسباب والعوامل التي قد تساهم في مثل هذه المآسي، أول هذه الأسباب التفكك الأسري، حيث يعاني الكثير من الأسر من غياب التواصل الصحي بين أفرادها، وتصاعد الخلافات بشكل غير مدروس، ما يجعل الأجواء داخل الأسرة مشحونة بالتوتر والعنف، ومع غياب آليات فعالة لإدارة النزاعات، تصبح الحلول خاطئة ومدمرة.

ثانيًا، الضغوط الاقتصادية المتفاقمة أصبحت تشكل عبئًا كبيرًا على العديد من الأسر، فارتفاع تكاليف المعيشة وتراجع فرص العمل وتدني مستوى الدخل تزيد من حدة التوتر والاحتقان داخل الأسرة، هذه الضغوط قد تؤدي إلى مشكلات نفسية وسلوكية تتفاقم مع غياب الدعم الاجتماعي والاقتصادي الكافي.

ثالثًا، الإهمال في معالجة الأزمات النفسية يمثل خطرًا حقيقيًا، فكثيرون قد يعانون من ضغوط نفسية أو اضطرابات داخلية دون أن يحصلوا على المساعدة اللازمة، بسبب نقص الوعي بأهمية الصحة النفسية أو الخوف من وصمة العار المجتمعية، وعندما تتراكم هذه الضغوط دون تدخل مناسب، قد تنتج عنها سلوكيات خطيرة وغير محسوبة.

رابعًا، ضعف الثقافة المجتمعية في إدارة الخلافات الأسرية يلعب دورًا كبيرًا في تعميق الأزمات، إذ يغيب عن الكثيرين وعي أهمية طلب المساعدة من الجهات المختصة عند وقوع الخلافات، وبدلًا من اللجوء إلى الحلول القانونية والاجتماعية، قد يتخذ البعض قرارات فردية تؤدي إلى عواقب وخيمة، ما يؤكد الحاجة إلى نشر ثقافة الحوار والتفاهم داخل الأسر.

ما حدث في الزرقاء هو مؤشر خطير يستوجب إعادة النظر في المنظومة الاجتماعية والقانونية، هناك ضرورة ملحة لتفعيل القوانين الرادعة للعنف الأسري، وتعزيز برامج الدعم النفسي والاجتماعي التي تستهدف الأسر التي تعاني من ضغوط متراكمة، إلى جانب العمل على تحسين الأوضاع الاقتصادية التي تؤثر بشكل مباشر على استقرار الأسرة وتماسكها.

المجتمع الأردني اليوم مطالب بالتحرك الجاد لمواجهة هذه الظواهر الخطيرة، لا يكفي الشعور بالحزن أو الغضب، بل يجب أن يُترجم ذلك إلى إجراءات واقعية تبدأ بتطبيق القوانين الرادعة، مرورًا بإنشاء مراكز متخصصة لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي، وصولًا إلى إطلاق حملات توعية شاملة لتعزيز ثقافة الحوار وحل النزاعات بشكل سلمي.

إن هذه الجريمة الأليمة تمثل جرس إنذار يستدعي منا جميعًا أن نقف صفًا واحدًا لحماية الأطفال وضمان أمنهم وسلامتهم، فالأمن المجتمعي يبدأ من الأسرة، وإذا لم يتم تحصينها ودعمها ستتكرر مثل هذه المآسي، ولن يكون هناك مجتمع آمن ومستقر ما لم نضمن لكل طفل بيئة آمنة ينمو فيها بأمان واستقرار.

إن حماية الأسرة مسؤولية جماعية، تبدأ من الأفراد وتتكامل مع دور المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني، ولابد أن ندرك أن الوقاية من العنف لا تتحقق إلا من خلال بناء مجتمع يؤمن بقيمة الإنسان، ويرفض كل أشكال العنف، ويدعم أفراده في مواجهة الأزمات قبل أن تتحول إلى كوارث.

لنعمل جميعًا على تعزيز قيم الرحمة والتفاهم داخل أسرنا، ولنمنح أطفالنا الأمان الذي يستحقونه، فهم مستقبل هذا الوطن وثروته الحقيقية، ولا شيء يستحق أن يهدد براءتهم أو يضعف بنيان الأسرة الأردنية المتماسكة...وللحديث بقية.

تابعوا نبأ الأردن على
تصميم و تطوير