د. ماجد الخواجا يكتب: الدور الإيراني في المنطقة
نبأ الأردن -
أظهرت صورة تغيير النظام في سوريا عديد من المعطيات المتعلقة بالدور الإيراني في المنطقة العربية، فقد تبين أن إيران لم تبن مصنعاً أو تقيم مشروعاً إنتاجياً أو مؤسسة خدماتية حقيقية، فقط مجرد مراكز استقطاب دعوية وحراسات لمراقد ورموز دينية، ومراكز ثقافية تروّج للنظام الإيراني، مع ميليشيات عسكرية حاربت السوريين في مدنهم وقراهم وألقت بالملايين منهم في المنافي وبلاد المهجر.
لقد تبخرت الوجود الإيراني في سوريا مع دخول المحررين إلى العاصمة دمشق، حيث تم نقلهم عبر قاعدة حميميم بواسطة الروس إلى بلادهم، ولم يتركوا خلفهم غير عتاد من الأسلحة وأنفاق ممتدة تحت الأرض ومتاريس ومواقع مغلقة ومحصنة، ولم يخلفوا ورائهم أية منجزات اقتصادية أو اجتماعية، وهو ذات الحال في لبنان واليمن والعراق، فقط يبنون مصالح خاصة تكفيهم لمد سيطرتهم العسكرية على مفاصل الدول، دون أدنى فائدة لشعوب تلك الدول.
في المقابل فإن روسيا بالرغم من حضورها العسكري الثقيل وغير المرغوب فيه شعبياً في سوريا، إلا أنه لها حضور في الواقع الاجتماعي والاقتصادي من حيث تنفيذ عديد من المشاريع والتجهيزات والبنى التحتية، إضافة إلى علاقات ممتدة لسنين طويلة عبر التواجد الثقافي والسياسي، كما أنها المزود الرئيس للسلاح السوري منذ عقود. ولم تقحم نفسها في التواجد داخل التجمعات الشعبية في المدن والقرى.
يبدو أن على إيران إجراء مراجعة جادة لجميع مواقفها في المنطقة، فلم تعد سوريا مجرد ساحة خلفية وممر لقوات الحرس الثوري الإيراني، ولبنان عليه استحقاقات لا مجال إلا لتسديدها وفي المقدمة منها تجفيف منابع وموارد حزب الله والتواجد الإيراني في لبنان. وربما يكون العراق في مرحلة قادمة هو الوجهة للتغيير والتحوّل بحيث تفرض الدولة العراقية سيادتها وتمد سيطرتها على مختلف أنحاء العراق مع الاستقلال في القرار والرجوع لحضن العروبة. وفي اليمن فإن المشهد لا يختلف عما حدث في سوريا، وربما احتمى الحوثيين تحت فرضية وحدة الساحات في وجه العدو، لكن الواقع الداخلي لليمن بات في حالة من الفشل والعجز وعدم المقدرة على مواصلة هذا الصراع وتقاسم الدولة، قد تكون غزّة ساعدت الحوثيين في تنفيذسياسة الهروب للأمام بحيث اختزل كل الأزمات والمشكلات اليمنية في موضوع دعم ومساندة غزة في وجه العدوان الصهيوني.
إن إيران بدأت تشعر وتتلمس تقليم أظافرها التي حفرت في جلود عديد من الدول العربية ومنذ فترةٍ طويلة.
كما أنها هي نفسها أصبحت تحت التهديد المباشر بوقوعها في حرب مدمرة قد تعيدها عشرات السنين للوراء.
إن هروب الأسد وسقوط النظام السوري الكرتوني، ضرب في العمق المشروع الإيراني في المنطقة.
لم تبن إيران طيلة مكوثها جاثمة على أنفاس بعض العواصم العربية أي مستشفى أو أي مصنع أو أي شارع أو مسجد أو مركز خدمات أو أية مشاريع إنمائية تنموية، فقط كان همّها الوحيد التذرّع بحماية مرقد هنا وهناك، علماً أنه لم يتم ذات مرّة أي اعتداء على أي مرقد، بل يعتبرها أبناء الوطن مزاراً وقيمة تراثية وتاريخية ودينية لها تقديرها وتبجيلها. كان همّ وأولوية التواجد الإيراني نشر الفكر الصفوي وتصدير الثورة ونصب العداء والخصومة بين أبناء الوطن الواحد.
دعمت إيران المعارضة في اليمن والبحرين ومصر، لكنها قمعت وبقسوة المعارضة في العراق وسوريا ولبنان. أي أن الموضوع لا يخرج عن كونه ذو أبعاد سياسية محضة ولا علاقة لإرادة الشعوب وحق تقرير مستقبلها السياسي.
تريد التدخّل في شؤون الدول العربية، وترفض التدخّل التركي. تقبل التواجد الروسي في اللاذقية، وتندد بالتواجد الأمريكي في الحسكة. إيران لم تبن رصيفاً ولم تزرع شجرة لكنها تتحدث عن وجود أكثر من 100 عسكري مدرب تابع لها داخل سوريا، إيران مستعدة لمواصلة الحروب حتى آخر سوري ويمني ولبناني وفلسطيني.
بالمناسبة إيران الشعبية فيها تنوّع كبير جداً ما بين العرب الأحواز الذين لهم مساحات واسعة من الأرض الممتدة جنوب غرب إيران وعلى شواطئ الخليج العربي وليس الفارسي. وبين الكرد الذين يتواجدون في الوسط والشمال الغربي من إيران، والبلوش المتواجدين في الجنوب الشرقي منها، والأذريين المتواجدين في الشمال منها. مع فئات أفغانية في أقصى الشمال الشرقي. لكن المشروع الصفوّي التوسعي عمل على تذويب تلك المكونات وصهرها وقهرها تحت ثوب ولون واحد. وأعتقد أنه آن الأوان لدعم المطالب لتلك المكونات والمعاملة بالمثل.