د. ماجد الخواجا يكتب: تديين السياسة الصهيونية
نبأ الأردن -
لم يُستغل الدين بشكل مباشر وبطرق غاية في البراغماتية كما استغلته الفكرة الصهيونية التي منذ نشأتها زعمت أنها حركة قومية تعبّر عن المجموع للشتات اليهودي في العالم، بمعنى أن اليهودي في أية دولة ومهما حمل من هويات، فهو صهيوني يمتلك قومية عابرة للجغرافيا والسيادة وأية مفاهيم دولية سائدة.
لكنها خشيت مواجهة المتدينين الذين يحملون فكراً ومنهجاً يتباين ويتعارض مع فكرة القومية الصهيونية، ومن أجل مسايرة الواقع الأوروبي المتمثل بالإعلاء من علمانية الدولة وتحييد الدين عن تفاصيل الحياة السياسية والشأن العام. فكانت فكرة القومية تتماشى وصعود القوميات الأوروبية، مع الرغبة بالتخلّص من التواجد اليهودي على أرض أوروبا. حتى أن اليساريين الشيوعيين وخاصةً التروتسكيين كانوا من الداعمين بشدّة للفكرة والحلم الصهيوني في مطلع نشأتها.
كان المشهد الصهيوني يتمثل دائما بمقولات تم تكريسها كمسلمات لا جدال فيها. فهم شعب واحد بغض النظر عن منبت ومولد ونشأة وجنسية اليهودي، وهم فريدون بدينٍ سماويٍّ مهما حمل اليهودي من اعتقادات أو مذاهب سياسية، وهم شعب الله المختار المتفوق بقدرة إلهية على جميع البشر، وهم الشعب الموعود في الأرض الموعودة، وهم حملة المظلومية التاريخية بأنهم المضطهدون الذين عانوا من المحرقة الهولوكوست النازي، وهم المنفيون الدياسبورا.
ليجيء كتاب وضعته كاتبة يهودية عام 2023، وهي الكاتبة « ريبيكا روث غولد» بعنوان «محو فلسطين: الخطاب الحر وحرية فلسطين»، حيث كانت تقيم في بيت لحم، ولاحظت الظرف المهين لحياة الفلسطينيين. وهو ما تسميه «فقاعة الاحتلال» أو « الاعتداء على التاريخ». وتسرد متابعتها الحالة المحزنة للقدس الشرقية التي يعيش فيها أكثر من 700 ألف فلسطيني في ظرف تعطيل دائم. وهو ما أكد لها أن الرواية (الإسرائيلية) للمحرقة استثمار لجريمة متكررة استهدفت عدة طوائف وأعراق في أرجاء متفرقة من العالم، ولم تكن فقط مقصورة على اليهودي، فالمحرقة لم تكن انتقائية، وخاصة باليهود، بل شاركهم في مصيرهم الأسود اليسار والغجر. وتساوى عدد ضحايا المحرقة الروس مع عدد اليهود، حيث بلغ كل منهما 6 ملايين ضحية، يضاف لهم 3 ملايين روسي من أسرى الحرب ومليونا بولوني غير يهودي. هكذا يتم اختزال الأحداث والوقائع والتاريخ، ليعيد إنتاج مظلومية تاريخية مشكوك تماماً في صحتها.
وجاءت موقعة السابع من أكتوبر كفرصة تاريخية اهتبلها الصهاينة ليجعلوا العالم مذعناً لمروياتهم ومنها « معاداة السامية»، وأتى مارك وايتزمان، ليساوي بين العداء للسامية مع نقد دولة إسرائيل. وأول من أيده حكومة تيريز ماي المحافظة عام 2016، حتى إنها وجهت بإلغاء عدة احتفاليات فلسطينية، تهدف لإدانة العنف الموجه ضد العرب.
ترى غولد، أن فلسطين تعرضت لثلاث عمليات إلغاء، عبرت عنها بمصطلح « اغتيال فلسطين» فقالت بأن الأولى تمثلت في تبديل الاسم والصفة. حيث تحولت القدس إلى أورشليم. أما الثانية فكانت تجزيء وتفكيك المكان بالجدار العازل. فيما جاءت الثالثة بالحد من حرية الكلام، يضاف لذلك إلغاء « الزمن الفلسطيني»، فكل فلسطيني يحتاج بالمعدل لخمس ساعات كي يتنقل بين القدس الشرقية والغربية. وخلالها يمر بنوعين من الحواجز: الأول حاجز أطراف، ويعترض نقطة عبور بين الضفة وإسرائيل وقد بلغ عددها 11 حاجزا. والثاني نقاط تفتيش، وأحيانا تسمى بالحواجز الطيارة، لأنها يتبدل مكانها دون سابق إنذار. وبلغ تعدادها ما يقارب 4924 نقطة أمنية متنقلة.
تتابع غولد بالقول أنه إذا كانت بذرة التفكير بدولة ( إسرائيل). تم التمهيد لها عام 1917 بوعد بلفور، فقد تورث الوعد التحالف الدولي بعد واقعة السابع من أكتوبر. وإذا وضع بلفور خطابه بسبع وستين كلمة، فقد اقتصر تعريف التحالف الدولي الداعم للكيان الصهيوني على ثمان وثلاثين كلمة، وإذا أراد بلفور خدمة استراتيجية الحرب البريطانية، فقد كان التحالف يغطي المشروع الإمبريالي. ولنا عودة.