علم أم خرافة؟.. التنجيم الإلكتروني ظاهرة شغلت المغاربة
نبأ الأردن -
ساهم تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب، مع العديد من الفيديوهات للمنجمة اللبنانية ليلى عبد اللطيف، والعرافة المغربية خديجة زغراتة، في انتشار ظاهرة التنجيم والانبهار بها.
ولم تعد الشهرة في العالم الرقمي، تقتصر على نجوم الفن والمشاهير فقط، بل اشتدت المنافسة بين العرافين والمنجمين الباحثين عن الشهرة لكسب الأموال، أمام عدد كبير من الجمهور الباحث عن المستقبل في الغيبيات.
وتزامن انتشار فيديوهات المنجمين والعرافين مع فترة توالي الأحداث والأزمات التي شهدها المغرب، بما فيها تكهنات وتوقعات في عالم السياسة والاقتصاد والمال، والكوارث الطبيعية.
غير أن الخبراء، يؤكدون على أن مثل هذه التوقعات والتنبؤات التي يروج لها، غالبا ما تنتشر بشكل واسع في الإعلام والفضاء الرقمي في الأزمات، والتي تكون الغاية منها جلب أموال سهلة واكتساب الشهرة بالدرجة الأولى، وهو الأمر الذي جعل ما يتكهنون به تحت مجهر التشكيك في الآونة الأخيرة.
بطولة العراف والمنجم
وتشخيصا لهذه الظاهرة، قال حسن تاج الأستاذ والباحث في علم الاجتماع، للعربية نت، "إن ظاهرة التنجيم الإلكتروني أضحت من الظواهر الاجتماعية الملفتة في المجتمعات العربية، والتي تتغذى على تجارب عديدة في المجتمعات الغربية والآسيوية على حد سواء وخاصة في الصين".
ويعتبر الباحث، أن ظاهرة التنجيم إلكتروني، هي صيغة تفريغيه، يراهن بها أولئك الذين يمكن نعتهم بـ "العرافين الإلكترونيين" لكسب الالتفاف حولهم ورضا الآخر عنهم وتعزيز حضورهم كعناصر مؤثرة.
وإلى جانب، ذلك يقول التاج، إن روادها والمتعاطين لها يسعون إلى كسب رهان استعادة الاتزان لمسارهم الحياتي، بشكل يترجم عمق القلق الذي يعيشونه، والتذبذب على مستوى الارتباط بتحديات الحياة التي تعمل بالأساس على آلية المصالحة مع الذات.
ضعف الوازع الديني
كما أشار، أن سبب تفشي هذه الظاهرة في مجتمعاتنا لا يعدو أن يكون مرده سوى ما يعانيه أفراد المجتمع من رجة على مستوى التفاعل مع القيم الجمعية المحتكمة بالأساس إلى المرجعية الدينية، والتي تحرم التنجيم بكل أشكاله.
وأضاف، التاج قائلا: " على أنه لابد من التمييز بين التنجيم وعلم الفلك، إذ إن هذا الأخير يستمد قوته من المرجعية العلمية التي تبارك خطواته وتعتبره أساسيا لفهم وضبط عامل الوقت أما التنجيم فهو نتاج جهل ونقص في التعاطي مع منطق الشيء والارتكان إلى عامل الصدفة، الذي قد يحول المنجم إلى بطل من ورق، في حين لا يعدو أن يكون استغلالا لقلة الوعي، وللفراغ الديني، ولبطش العامل النفسي المؤسس لتداعيات كارثية أهمها القلق والميل إلى الانعزالية، بما يعنيه ذلك من ارتفاع فرص الانتحار واعتماد السلوكيات المشينة، وهو الشيء الذي يظهر فيه المنجم منقذا.
العلم والخرافة
ويوضح الباحث في علم الاجتماع، "أن الغاية من توظيف التكنولوجيا، هو كسب ثقة روادها وإيهامهم بتبني كل مظاهر التحضر المعززة للطروحات العلمية، وهذا ما يزيد من فرص ارتفاع الضحايا الذين يقبلون بكل شروط المنجم بما فيها إرسال الأموال والقيام بسلوكيات مشينة، بل وأحيانا قد يمتد الأمر إلى مستويات أكثر خطورة قد تصل إلى حد قتل الأرواح البريئة من باب الفدية أو دفع الأرواح الشريرة، ما يشكل منفذا لجرائم من نوع آخر".
واعتبر المتحدث،" أن التنجيم الإلكتروني ما هو إلا تحايل على عقول الناس وسرقة لأموالهم وهنا وجب اعتماد وسائل تستخدمها المنابر الإعلامية والسلطات المختصة والمؤسسات التعليمية بهدف تقليص حجم حضور هذه الظاهرة في مجتمعاتنا، وإلا فسيزداد إيقاع القلق الاجتماعي بازدياد المحتالين المشتغلين على معاناة الناس في ظل تفشي الجهل والإيمان بالمنجم كمنقذ من براثن الضغوطات النفسية والاجتماعية".
العراف الإلكتروني
وفي سياق اخر، تحدث محمد ألمو، الباحث القانوني والحقوقي، على أن الاستخدام الواسع لشبكات التواصل الاجتماعي أدى الى انتشار ظاهرة الشعوذة والتنجيم وثقافة التنبؤ الغيبي بالمستقبل.
وأشار ألموا، إلى أن هذه الظاهرة كانت فيما سبق حبيسة الاضرحة وحلقات الأسواق وبعض منازل ممتهني هذه الحرفة وبعض الجرائد والقنوات الفضائية.
وصرح للعربية، نت، قائلا :" للأسف، بدلا من ان تساهم وسائل التواصل الاجتماعي و منصات المحتويات الرقمية والاعلام الالكتروني في نشر الوعي لدى الأفراد، فقد أدت إلى انعكاسات أخرى كانتشار الشعوذة والسحر والتنبؤ بالغيب على حياة الانسان إضافة لتعارضها مع صريح النصوص الدينية والقواعد البديهية للعقل والمنطق العلمي".
الردع القانوني
وأكد المتحدث على أن القانون الجنائي المغربي، يعاقب كل" من احترف التكهن والتنبؤ بالغيب أو تفسير الأحلام بغرامة تتراوح بين 10و 12 دولارا ويعتبر هذا الفعل مخالفة من الدرجة الثالثة".
كما يجرم القانون المغربي، أي اعتداء أدى إلى الموت العاجل أم الأجل، وأي كانت طريقته التي استعملت أو أعطيت بها تلك المواد، وأيا كانت النتيجة، فهو يعد مرتكبا لجريمة التسميم ويعاقب بالإعدام.
إضافة لما سبق، يؤكد الخبير القانوني، أن العقوبات التي يصدرها القانون المغربي في حق محترفي هذه الأفعال عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال استغلال الضحايا واستقطابهم بغية الاغتناء المالي تصل عقوبتها للسجن من سنة الى خمس سنوات.
وتجدر الإشارة، إلى أن تسرب ظاهرة التنجيم في المغرب، على مواقع التواصل الاجتماعي، وهوس الكثيرين بها، قد حذر منه العديد من الخبراء في القانون وعلم الاجتماع، نظرا لما قد يشكل خطورة كبيرة في انتشار الجرائم والمحظورات .