الإفتاء : هذا حكم المال المكتسب من تجارة المخدرات
نبأ الأردن -
في سؤال موجه إلى دائرة الافتاء العام من التحالف الوطني لتعزيز مكافحة المخدرات حول :
ما حكم التجارة بالمخدرات،وحكم المال المكتسب منها، وحكم المروج لهذه الآفة الخطيرة المدمرة للإنسان والمجتمع؟
الجواب وبالله التوفيق :
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
حرمت الشريعة كل ما يؤدي إلى زوال العقل، أو الإخلال بقدراته، فهو مناط التكليف الذي شرفه الله به، والإخلال به يؤدي إلى زوال الضروريات الخمس، وهي: حفظ الدين، والنفس، والنسل، والعقل، والمال. وقد جعلت الشريعة العقل مناط التكليف الشرعي : فمن فقد نعمة العقل رفع عنه التكليف، ولذلك حرمت كل ما يؤدي إلى زواله أو الإخلال به، ومن ذلك المخدرات، حيث تؤدي إلى اضطراب العقل والإخلال بقوته، بل تؤدي إلى زوال غيره من الضروريات التي تكفل الإسلام بحفظها، فأضرارها عامة تشمل الفرد والمجتمع، لذلك كان تعاطي المخدرات والاتجار بها والترويج لها من أشد المحرمات، فالاتجار بها من الإفساد في الأرض، ولما تؤدي إلى تضيع الأمن وفساد القيم وتفكيك الأسر. ومن الأدلة القرآنية على تحريم المخدرات قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: ٩٠] ، فالمخدرات تلتقي مع الخمر في علة التحريم، وهي الإسكار بإذهاب العقل، فتشمل بحكمه وتقاس عليه، وقول الله تعالى:
{يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثِ [الأعراف : ١٥٧)، والمخدرات من الخبائث، وقوله تعالى:
{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ} (البقرة: ۱۹۵)، فمن المبادئ الأساسية في الإسلام الابتعاد عن كل ما هو ضار بصحة الإنسان، وإن تعاطي المخدرات يؤدي إلى مضار جسمية، ونفسية واجتماعية.
ومن السنة النبوية الشريفة ما روي عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتَرٍ) رواه أحمد وأبو داود، والمخدرات بأنواعها مسكرة أو مفترة. وقول سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام: (كل مسكر خَمْر، وكل مسكر حرام) رواه البخاري، قال شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني: "واستدل بمطلق قوله ( كل مسكر حرام على تحريم ما يسكر ولو لم يكن شرابا، فيدخل في ذلك الحشيشة وغيرها، وقد جزم النووي وغيره بأنها مسكرة، وجزم آخرون بأنها مخدرة وهو مكابرة؛ لأنها تحدث بالمشاهدة ما يحدث الخمر من الطرب والنشوة، والمداومة عليها والانهماك فيها، وعلى تقدير تسليم أنها ليست بمسكرة، فقد ثبت في أبي داود النهي عن كل مسكر ومفتر وهو بالفاء والله أعلم" "فتح الباري" (١٠ / ٤٥) ، وقال الحافظ ابن حجر معلقاً على . حديث أم سلمة الذي رواه أبو داود: وحديث أم سلمة أخرجه أبو داود بسند حسن بلفظ نهى عن كل مسكر ومفتر" "فتح الباري" (١٠/ ٤٤) . وقد نص العلماء على ذلك، حيث جاء في حاشية ابن عابدين (۳/ ۲۳۹) قوله: "اتفق مشايخ المذهبين الشافعية والحنفية بوقوع طلاق من غاب عقله بأكل الحشيش الفتواهم بحرمته"، وفي حاشية ابن عابدين أيضاً (٦ / ٤٥٧) قوله : ويحرم أكل البنج، والحشيشة، والأفيون لأنه مفسد للعقل، ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة... وقد استعمله قوم فاختلت عقولهم، وربما قتلت، وجاء في "مغني المحتاج" (٤) (۱۸۷): "ونقل الشيخان في باب الأطعمة عن الروياني أن أكل الحشيشة حرام".
ويجب على من ابتلي بالمسكرات أو المخدرات الإقلاع عنها فورا، والاستعانة بأهل الطب والاختصاص للتخلص من أعراض الانسحاب التي ترافق المقلع عنها، قال الإمام الشرواني: "نعم يجب عليه - المبتلى بالمخدرات السعي في إزالة الاحتياج إليه إما باستعمال ضده، أو تقليله إلى أن يصير لا يضره تركه حاشية الشرواني على التحفة (١٦٨/٩).
أما من لم يسع في ترك التعاطي والتخلص من آثاره فهو أثم عاص، قال شيخ الإسلام الإمام ابن حجر الهيتمي: "يجب عليهم - من تعاطى المخدرات التدرج في تنقيصه شيئا فشيئا : لأنه - التدرج مذهب الشغف الكبد به شيئاً فشيئاً إلى أن لا يضره فقده، كما أجمع عليه من رأيناهم من أفاضل الأطباء، فمتى لم يسعوا في ذلك التدريج فهم فسقة أثمون لا عذر لهم" "تحفة المحتاج" (١٦٨/٩).
وعليه فالآثار المترتبة على تعاطي المخدرات مدمرة للإنسان والمجتمع، ومتصادمة مع أحكام الشريعة الإسلامية وحكمها وبالتالي كان حكمها التحريم، وكذلك فإن الاتجار بالمخدرات بيعاً وشراء، وتهريباً، وتسويقاً، وربحاً كله حرام لأن ما يؤدي إلى الحرام فهو حرام والله تعالى أعلم.