د.مريم اليماني تقدم دراسة نقدية تحليلية لرواية (اساور من حديد) للدكتور محمد محمود أسعد

{title}
نبأ الأردن -
تالياً دراسة نقدية تحليلية قدمتها الدكتورة مريم اليماني لرواية (اساور من حديد) للدكتور محمد محمود أسعد :
*تقديم :
أحسب أن المؤلف د. محمد محمود أسعد أجاد في متن روايته (أساور من حديد) حينما قال:"أبداً لم تكن رزايا الحرب فقط من همجية قتل برع فيها متقاتلون كانت فيما قبل بعيدة كل البعد عن الثقافة السورية المعروفة بالرأفة والرحمة، ولا من تعددية خصوم، ولا من صعوبة تطبيق لرقابة أممية لمجريات الاقتتال، ولا من استخدام أسلحة جديدة ومتنوعة على شعب لا يملك قوت يومه، ولا من رصاصة طائشة، ولا من برميل متفجر، ولا من صاروخ أعمى، إنما كانت أيضاً من جشع تاجر، ومن طمع مؤجر، ومن مستغل فرص وعوز أسر، ومن انحدار قيم.."
حقاً.. تلك هي الحروب دائماً تزيد في مساوئ أصحاب النفوس الضعيفة وتُظهر هشاشة قيمهم الأخلاقية.
لم أبالغ إن قلت أن في بداية قراءتي للرواية أدمعت عيني لما يعانيه النازحون أينما كانوا، وأيقنت حقيقة فطرة الإنسان مهما كان كبيراً أم صغيراً، رجلاً أم امرأة في حرصه على البحث عن أمان منشود كمتطلب رئيس في استمرارية الحياة كما بيّنه لنا العالم أبراهام ماسلو في هرمه المعروف بتدرج الحاجات عند الإنسان.
تناولت الرواية في بداياتها معاناة النازحين وشدة فقرهم وصعوبة خروجهم من بيوتهم رغم الضرورة الملحة حفاظاً على أرواحهم، وصورت لنا كيفية وداعهم للمكان الذي عاشوا وترعرعوا فيه. ولعل ما زاد من إصراري على متابعة قراءة الرواية حتى الكلمة الأخيرة في جلسة واحدة هو أسلوب السرد والتوصيف المتقن الذي اتبعه المؤلف من خلال تصويره المكاني والزماني لأحداث الرواية وتسليطه الضوء بين فينة وأخرى على الشخصيات الرئيسية في الرواية والحالة النفسية والمعاشية لكل منهم، ولعلي اعتبر ذلك ميزة حسنة نجح فيها المؤلف في استخدام أسلوب التشويق والسرد القصصي، الأمر الذي عزَّزَ شعوري بالامتنان لطريقته المنطقية في معالجة الموضوع الرئيس الذي تدور حوله أحداث الرواية "الزواج المبكر وزواج القاصرات من كبار السن" حيث سلّط الضوء عليه من جوانبه النفسية والدينية والاجتماعية.
صحيح أن موضوع زواج القاصرات ليس بالجديد على مجتمعاتنا العربية لكن أن يصل لحد تزويجهن من طاعنين بالسن فهذه ظاهرة تستوجب الوقوف عندها ملياً لمعالجتها قانونياً وعلمياً ودينياً لما لها من نتائج نفسية وجسدية واجتماعية وخيمة ترجع على الزوجين معاً من ناحية وعلى المجتمع من ناحية أخرى، من المتوقع أن الزوجة الصغيرة ستعاني من برود عاطفي بعد شهور قليلة من زواجها، وما غزل ابنة الستة عشر ربيعاً.. بطلة القصة إلا أنموذجاً لضحية قُدمت قرباناً في سبيل تحسين وضع أهلها المادي، أما الزوج الهرم (أبي حسين.. الذي تجاوز السبعين) سيظهر الشيء الكثير من التصنع والمغلاة في أمور هو أضعف من أن يصل إليها إلا من خلال طرق ملتوية.
حقاً، إن موضوع زواج القاصرات.. موضوع معقد يتطلب مناقشته كما فعل المؤلف من النواحي النفسية، والقانونية، والأخلاقية.
من الناحية النفسية، تشير الأبحاث إلى أن زواج القاصرات غالباً ما يرتبط بمشاكل صحية ونفسية واجتماعية للفتيات المعنيات. فالفتيات الصغيرات غالباً ما يكون لديهن ضعف في فهم المشاعر والتحليل واتخاذ القرارات الصحيحة. وقد يعانين الأمرين من الفقر العاطفي وعدم الاستقرار النفسي والتعرض للعنف والإساءة.
من الناحية القانونية، يعتبر زواج القاصرات في كثير من الدول غير قانوني أو مقبول فقط في حالات استثنائية، حيث يهدف القانون بشكل عام لحماية حقوق الأطفال وضمان حياتهم وتعليمهم وصحتهم وسلامتهم.
من الناحية الأخلاقية، يعتبر زواج القاصرات انتهاكاً صريحاً لحقوق الإنسان الأساسية، مثل حقوق الحرية والكرامة والتعليم واختيار الشريك. كما يعتبر استغلالاً للطفولة وضرباً للمساواة بين الجنسين. وبناءً عليه، ينبغي على المجتمعات والحكومات العمل معاً لوضع تشريعات صارمة لمنع زواج القاصرات وتوفير الدعم اللازم لهن. بحيث يجب تقديم الدعم النفسي للقاصرات اللواتي تم تزويجهن بالقوة، وتوفير الفرص التعليمية والاجتماعية والاقتصادية لهن للمساهمة في تمكينهن ومساعدتهن على تحقيق ما يصبون إليه من إثبات وجود واستمرارية حياة..
حقاً يجب علينا جميعاً أفرادا وجماعات، مؤسسات وحكومات الوقوف بحزم في معالجة موضوع زواج القاصرات باعتباره مشكلة اجتماعية وقانونية، وعلينا أولاً تعزيز الوعي وتعديل القوانين والسياسات لمنع هذه الممارسات الظالمة متى حصلت وتجريم كل يد آثمة ساندت بذلك. وتوفير الدعم العاطفي والنفسي للفتيات القاصرات المتزوجات لمساعدتهن على التأقلم مع الظروف الصعبة المحيطة بهن وتحسين جودة حياتهن النفسية كي يبدأن حياتهن العملية من خلال تمكين مرتقب.
مرة أخرى، شكراً وألف لمؤلف هذا العمل الروائي على طرح موضوع الزواج المبكر والتركيز فيه على زواج القاصرات من طاعنين بالسن ومناقشته من جوانب متعددة بأسلوب سرديِّ سلسٍ وشائق.

*الدكتورة مريم علي اليماني
عمان- الأردن
تابعوا نبأ الأردن على