ميسر السردية تكتب : هكذا تشبثوا بأطراف الذاكرة

{title}
نبأ الأردن -

كلما كان يشن العدو حربا على غزة أو منطقة من فلسطين, يأتي جدي -وقلما كان يشاهد الأخبار- يتسمَر أمام التلفزيون , ينظر صامتا وكأنه يبحث عن ضالة بين الركام , يتمتم : قبر أمي بتل الربيع , ثم تنطلق أغنية وين الملايين , يبرم يده قائلا : ما باليد حيلة , ثم يمضي …نعم أمه توفيت ودفنها هناك عندما كانت العرب تُغرب إلى مناطق فلسطين وكانت الحدود وهما من خيال, ولا يعلم لتقادم عهده أن أسم المنطقة تغير وأنه من المحتمل أن برجا أو مرقصا قد أقيم مكان قبر أمه … أما جدتي فكلما شاركتنا متابعة برنامج عالم البحار , قالت وهي تعُب على غليونها : هذا بحر حيفا , نصحح لها المعلومة , هذا يا حجة بالمحيط الهندي , ترد مستنكرة : ما أكثر كذبكم , ليش أنا غشيمة يا عجيان ببحر حيفا, أمس الله خلقكم , قبل أمهاتكم ما يلدنكم قطعت رجلينا هذيك البلاد وأحنا نمشي فيها , ريحا و خضيرا وملبس نعرفها حجر حجر , أما عندما كنت أخاف من شيء وأعبر لها عن خوفي , فكانت تردد متهكمة " عكا لو تخاف من البحر ما جاورت" مع ملاحظة لفظ حرف الكاف " ch" , كنت أفكر أش معنى عكا طيب ما مهو في درس الجغرافيا يافا وحيفا واللاذقية واسكندرية والعقبة كلها ساحلية على البحر , إش معنى عكا بالذات , وبعدين عرفت من درس التاريخ أنه عكا رسخت بقعر وجدانهم القديم لأنها قهرت نابليون الذي قهر العالم …. هكذا ظلوا محتفظين بخرائط ذاكرتهم القديمة ,رافضين إزاحتها وإعادة رسمها من جديد, حتى رحلوا بما يحملون إلى رحمة الله .


تابعوا نبأ الأردن على