خطاب الملك في الأمم المتحدة.. مرتكز لبناء استراتيجية عادلة لحق الشعب الفلسطيني
نبأ الأردن -
ما تزال القضية الفلسطينية كما كانت دائما، مرتكزا أساسيا في الخطاب الملكي لبناء استراتيجية عادلة تحفظ حرية وحقوق الشعب باعتبارها قضيةً محورية لأمن المنطقة، واستمر هذا الحق ثابتا راسخا لا يتغير في خطابات جلالته في مختلف المحافل الدولية.
فيوم أمس، وفي الجلسة الافتتاحية لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بدورتها الثامنة والسبعين، سلط جلالة الملك عبدالله الثاني كما هو عهده في كل محفل دولي، الضوء تجاه القضية باعتبارها القضية المركزية في الشرق الأوسط، وضرورة إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وجوهره حل الدولتين بصفته السبيل الوحيد نحو السلام الشامل والدائم.
فـ "القدس"، كما أكد جلالة الملك، "ما تزال بؤرة للقلق والاهتمام الدوليين، وبموجب الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية، يواصل الأردن التزامه بالمحافظة على هوية المدينة المقدسة"، داعيا الى عدم ترك اللاجئين الفلسطينيين فريسة لقوى اليأس، فهناك حاجة طارئة للتمويل المستدام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
وركّز جلالته في خطابه على الحقوق الفلسطينية وأهمية حماية الشباب الفلسطينيين من المتطرفين الذين يستغلون إحباطهم ويأسهم، عبر ضمان استمرار انخراطهم في المدارس التي ترفع راية الأمم المتحدة، وإلا فسيكون البديل رايات الإرهاب والكراهية والتطرف.
أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس عبدالله كنعان، قال لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، يعتبر الدور الأردني والدبلوماسية الاردنية في هيئة الأمم المتحدة بمختلف منظماتها وأجهزتها نموذجاً للعمل العربي الداعم للقضايا المصيرية وفي مقدمتها ملف القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني التاريخي والشرعي في أرضه ومقدساته وإقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس.
وأشار كنعان الى الدور الأردني في منظمة اليونسكو كدليل على العطاء والبذل القومي الأردني في سبيل حل قضايا أمتنا وتعزيز صلابتنا في مواجهة مختلف الأزمات والتحديات، لافتا الى أن توجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني كانت وما تزال المحرك والموجه للدبلوماسية الأردنية.
وأضاف، إن خطاب جلالة الملك عبد الله الثاني في الجلسة الافتتاحية لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة أمس
دليل على عالمية وخصوصية الخطاب الهاشمي ومحوريته في بناء أي استراتيجية دولية لمواجهة التحديات الأبرز في السياسة الدولية، والتي أشار إليها الخطاب الملكي بشفافية وموضوعية مباشرة، بهدف وضع قادة العالم والرأي العام الدولي أمام الأعراض المقلقة التي تسود مستقبل الإنسانية، وهي القضية الفلسطينية وملف اللاجئين والأمن الغذائي والتغير المناخي، كما قال جلالته "ان العالم لا يملك رفاهية التهرب من مسؤوليته في مواجهتها، حتى لا يترك جيلاً ضائعاً"، قاصداً بذلك ضرورة التصدي لها وعدم الانتظار طويلاً؛ نظراً لما تفرزه من نتائج سلبية متسارعة تؤثر على كوكبنا وتضعنا في موقف عصيب.
وأضاف كنعان، إن خطاب جلالته جمع بين متطلبات الأمن الوطني الأردني وما خلفته أزمة اللجوء والمحيط الملتهب من صراعات وبين متطلبات الأمن العالمي التي تتصل بالسلام والتنمية وتمكين الأجيال والشعوب، موضحا أن هذا التشخيص الملكي الدبلوماسي الدقيق للواقع العالمي يأتي في سياق مناداة جلالته بالعلاج اللازم والوحيد وهو إعادة بناء الثقة والتضامن العالمي انطلاقا من الشرعية الدولية وقراراتها المجمع عليها.
ولأن القضية الفلسطينية ركيزة أساسية في الموقف الأردني ودائمة الحضور في الخطاب والرسالة العالمية الموجهة باستمرار من القيادة الهاشمية للعالم في كافة المحافل، فقد حظيت بتركيز واضح من جلالة الملك في خطابه التاريخي الذي نبه فيه قادة العالم إلى أن تأخر تفعيل دبلوماسية السلام أشعل دوامة من العنف في المنطقة حيث تظهر جميع المؤشرات الحالية اتساع رقعتها.
وأكد جلالته أن عقيدة الثقة الإنسانية بالأمم المتحدة، يقترن حدوثها بدور الأمم المتحدة في تطبيق قراراتها الساعية نحو ضرورة إلزام إسرائيل بالتوقف فورا عن أنشطة التأزيم، وفي مقدمتها الاستيطان وتدمير البيوت والاعتداء على الأحياء والبلدات والمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، بوصف هذه المدينة المقدسة كما يؤكد جلالته "بؤرة القلق والاهتمام الدولي"، فحقوق اللاجئين ومستقبل الشباب الفلسطيني والاستقرار القائم على حل الدولتين بما في ذلك إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس هي بمجملها دعائم السلام الأساسية.
وأشار كنعان الى تزامن خطاب جلالته مع الجهود الدبلوماسية الأردنية لإقامة المؤتمر الوزاري رفيع المستوى حول "لاجئي فلسطين والأونروا" الذي ستنظمه السويد والأردن في نيويورك على هامش الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة غدا، بهدف حشد الجهد الدولي لتوفير الدعم المالي اللازم لدور وكالة الأونروا واستمرار أنشطتها التعليمية والصحية الخاصة باللاجئين الفلسطينيين.
وقال كنعان، إن الخطاب الهاشمي التاريخي كعهده وثوابته في الدفاع عن الحق التاريخي الفلسطيني، سيظل السند للحفاظ على الهوية الحضارية العربية في فلسطين عامة والقدس من خلال الوصاية الهاشمية، خاصة في إطار مسلسل التهويد الممنهج الذي تمارسه حكومة الاحتلال الإسرائيلي بقيادة الأحزاب الدينية الصهيونية، والتي تزداد وتيرتها هذه الأيام مع بداية موسم الأعياد اليهودية، مشيرا الى أن الثقة العالمية بحكمة الخطاب الهاشمي ومشروعية وعالمية منطلقاته ومضامينه، جعلت منه نداء عالمياً يستحق الإنصات والتقدير.
مدير عام دائرة الشؤون الفلسطينية المهندس رفيق خرفان، قال: إن الخطاب الملكي حمل عناوين بارزة هي "حل الدولتين، وغياب الشفافية الدولية تجاه الحقوق الفلسطينية، ومواصلة الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية والحاجة الطارئة للتمويل المستدام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)".
وأكد أن جلالة الملك وكما عودنا دائما، هو المدافع الأول عن القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني على الأراضي الفلسطينية واللاجئين الفلسطينيين أينما وجدوا وفي كافة المحافل العربية والدولية وأن السلام والأمان للفلسطينيين لن يتحققا إلا بإقامة دولتهم المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وفقا لخرفان.
وأضاف خرفان، "كان واضحا من خطاب جلالته امس في الجمعية العامة للأمم المتحدة قلقه على أوضاع اللاجئين الفلسطينيين والسوريين على حد سواء، وتأكيده على ضرورة تحمل المجتمع الدولي مسؤوليته تجاههم، وحرص جلالته على المقدسات الإسلامية والمسيحية في الأراضي الفلسطينية من خلال الوصاية الهاشمية، وتأكيد جلالته أن الهاشميين مستمرون في رعايتها وحمايتها بكل عزيمة وإصرار كما هو نهج الهاشميين على مر العصور، مثلما أكد جلالته على ضرورة دعم الأونروا كونها المظلة الرئيسية للاجئين الفلسطينيين، وبما يساعدها على الوفاء بالتزاماتها وتفويضها الأممي تجاه ملايين الفلسطينيين".
النائب السابق هايل ودعان الدعجة، قال: لقد بعث جلالة الملك برسالة واضحة إلى المجتمع الدولي انطوت على أبعاد قانونية وسياسية وأخلاقية وقيمية خاصة بملف القضية الفلسطينية، وضعت العدالة الدولية على المحك في ظل الضبابية التي تغلف ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على وقع استمرار الظلم وإقامة المستوطنات ومصادرة الأراضي وهدم البيوت وتدميرها.
ولفت الدعجة إلى أن جلالة الملك، وهو يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته تجاه ملف القضية الفلسطينية، أشار الى أهمية إعادة بناء الثقة بالعمل الدولي الذي بات محل تساؤل وشك في ظل تعاطيه غير العادل مع هذا الملف، وهو بات يمثل أكبر تحد واختبار لمصداقية المنظومة الدولية التي باتت رهينة الانتقائية والمعايير المزدوجة في تعاملها مع التحديات والأزمات المختلفة التي تشهدها، ما يؤشر إلى غياب المعايير الدولية العادلة والموحدة، بصورة أسهمت في استمرار معاناة الشعب الفلسطيني.
وأضاف الدعجة، لقد أوضح جلالة الملك بأن الأردن يواصل التزامه بالحفاظ على هوية المدينة المقدسة تماهيا مع دوره الديني والتاريخي في الحفاظ على الوضع القائم، والحيلولة دون تهويدها وتغيير هويتها وطابعها ومعالمها العربية والإسلامية والتاريخية.
رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية الدكتور خالد شنيكات ، بين أن جلالة الملك أعاد التأكيد في خطابه على الموقف الأردني الثابت والداعم لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته على الأراضي التي احتلت عام 1967 وعاصمتها القدس، باعتبار أن ذلك موقفا ثابتا.
وأشار الى تحذير جلالة الملك من مغبة عدم تنفيذ حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني في ظل انشغال العالم بالحرب الروسية الأوكرانية وغيرها من الحروب التي تزدحم بها الساحة الدولية، مشيرا الى أن الذهاب نحو فقدان الأمل واليأس مرده عجز المجتمع الدولي عما نصبو اليه في إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وفيما يتعلق بتحقيق قرارات الأمم المتحدة، أشار جلالته إلى أن القضية الفلسطينية نشأت مع نشأة الأمم المتحدة، ومع ذلك يقف المجتمع الدولي عاجزا عن القيام بواجبه في تنفيذ حق تقرير المصير وإنشاء الدولة الفلسطينية.
وقال شنيكات، إن جلالة الملك لفت أنظار العالم إلى حق اللاجئين الفلسطينيين في تلقيهم التعليم الجيد في مدارس وكالة الامم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الاونروا)، وضرورة كفالته، موضحا أن من الصعب أن يقدم الأردن الدعم للاجئين في ظل ضائقة مالية وموارد محدودة.
ولفت الى أن جلالة الملك ذكّر العالم مرة أخرى بأن الشعب الفلسطيني هو شعب كبير، لكن خمسة ملايين فلسطيني يرزحون تحت وطأة الاحتلال ويتم إنكار أبسط حقوقهم، بما في ذلك حرية التنقل، وأنه آن الأوان كي يعترف العالم بحق هذا الشعب وعدم السماح للاستيطان بقضم الأراضي الفلسطينية لإعدام حل الدولتين.
وأشار شنيكات الى أن جلالة الملك أوصل رسالة لأكبر تجمع دولي، كي يعيد العالم التركيز على القضية الفلسطينية باعتبارها جوهر الصراع في منطقة الشرق الأوسط المستمر منذ أكثر من سبعة عقود، وأن تجاهل حلها سيؤدي إلى اشتعال النار، مشيرا جلالته الى أن هذا العام كان الأكثر عنفا ودموية بالنسبة للفلسطينيين خلال الخمس عشرة سنة الماضية.