كان حلمه أن يكون مانشيت "السفير" بعد تحرير فلسطين.."العيد"
نبأ الأردن -
علي سعادة- حين سألته الإعلامية كارمن جوخدار، تخيلت يوما ما كيف سيكون مانشيت العدد الذي سيصدر يوم تحرير فلسطين، قال: العيد، قالت له : تكتب العيد؟، أعاد الجواب وقال: العييييييييييييييييد.
مسيرة إعلامية وصحافية حافلة بالنجاحات وبالمواقف والشجاعة.
صفحة ستبقى مفتوحة ولن تطوى في تاريخ الصحافة اللبنانية والعربية.
رحيل "واحد من متخرجي بيروت، عاصمة العروبة"، كما وصف نفسه في سيرته.
برحيله نبكي عصرا ذهبيا من الوعي، ويغيب معه "صوت الذين لا صوت لهم" الرجل الذي عرف بافتتاحياته المدوية وآرائه غير المهادنة.
بدأ طلال سلمان، المولود في بلدة شمسطار شرق لبنان عام 1938، مسيرته الصحافية في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، استهلها مصححا لغويا في جريدة "النضال"، فمراسلا صحافيا في جريدة "ألشرق"، التي كانت تصدر ظهرا، ثم بائع خردوات كي يتسنى له متابعة دراسته.
في عام 1957 قدمه والده إبراهيم إلى الصحافي سليم اللوزي، الذي كان تعرف عليه حين كان يحرس زنزانته في سجن الكرنتينا، فعمل في مجلة "الحوادث" مصححا ومحررا لصفحة بريد القراء ثم محررا فسكرتيا للتحرير، انتقل بعدها مديرا للتحرير في مجلة "الأحد". وفي عام 1962 أصدر في الكويت مجلة "دنيا العروبة"، ليعود إلى بيروت ليعمل من جديد في "الصياد" و"الأحد".
وتوج مسيرته في عام 1974 بإصدار العدد الأول من جريدة "السفير" في بيروت، وكانت صحيفة يومية حملت شعار "صوت الذين لا صوت لهم"، وحملت أيضا شعار "جريدة لبنان في الوطن العربي وجريدة الوطن العربي في لبنان". وفي اليوم التالي لصدورها أقيمت ضدها أول دعوى قضائية، من "جمعية أصحاب المصارف في لبنان" تلتها 16 دعوى مع ختام العام الأول.
وعرفت بمواقفها المناصرة للقضايا العربية، وفي مقدمتها قضية العرب المركزية القضية الفلسطينية.
كانت "السفير" تجربة نادرة في الصحافة العربية. وجمعت أسماء لامعة في الفكر والأدب مثل عبد الرحمن منيف وسعد الله ونوس وطارق البشري ورفعت السعيد ياسين الحافظ وعصمت سيف الدولة وعبد الرحمن الخميسي وكلوفيس مقصود وغيرهم. كما فتحت صفحاتها أمام اتجاهات فكرية وسياسية كالناصرية والبعث والقوميين العرب والسوريين القوميين والعلمانيين والشيوعيين وغيرهم.
أجرى طلال سلمان لقاءات مع العديد من الزعماء والقادة العرب.
وكعادة رؤوساء التحرير في زمن الحبر والورق والأرق كان آخر من يغادر مكاتب الصحيفة ليلا بعد أن يطمئن بأن كل شيء يسير على ما يرام. وكعادة عمقالة هذه المهنة الذين اتسموا بالتواضع كان لطيفا وقريبا من العاملين معه وداعما لهم.
وتتميز شخصيته كإعلامي بمزيج من رهافة الوجدان السياسي والصلابة في الموقف، ما عرضه إلى ضغوط متزايدة، وكثيرا ما كاد أن يدفع ثمنا لمواقفه غير المهادنة فقد تعرض في عام 1984 لمحاولة اغتيال أمام منزله في رأس بيروت فجرا تركت ندوبا في وجهه وصدره. وكانت سبقتها محاولات لتفجير منزله، وكذلك عملية تفجير لمطابع "السفير" في عام 1980.
صمد وسط العاصفة الهوجاء التي واجهت الصحافة الورقية لكنه أضطر في عام 2017 إلى إقفال جريدة "السفير"، بسبب صعوبات مادية. وكانت تلك ضربة كبيرة للإعلام اللبناني الذي عرف على مر سنوات بتنوعه وحريته، وشكل علامة فارقة بين الدول العربية الأخرى.
واختار سلمان افتتاحية العدد الأخير تحت عنوان "لعلها تكون أطيب تحية وداع"، وجاء فيها: "يحق لنا أن نلتقط أنفاسنا لنقول ببساطة وباختصار وبصدق: شكرا".
بعد إغلاق السفير، بقي طلال سلمان يكتب عبر موقع حمل اسمه واسم "على الطريق"، وهو كان عنوان زاويته الأسبوعية في الجريدة.
نشرت له عدة مؤلفات من بينها "مع فتح والفدائيين" (1969)، "ثرثرة فوق بحيرة ليمان" (1984)، "إلى أميرة اسمها بيروت" (1985)، "حجر يثقب ليل الهزيمة" (1992)، "الهزيمة ليست قدرا" (1995)، "على الطريق.. عن الديمقراطية والعروبة والإسلام" (2000)، "هوامش في الثقافة والأدب والحب (2001)، "سقوط النظام العربي من فلسطين إلى العراق" (2004)، "لبنان العرب والعروبة" (2009)، و "كتابة على جدار الصحافة" (2012).
رحل عن 85 عاما في أحد مستشفيات بيروت بعد تدهور صحته خلال الأشهر الأخيرة. رحل الرجل الذي قال في افتتاحية سابقة له بعنوان "لماذا فلسطين؟" :"زماننا يبدأ بفلسطين، ويمتد مع فلسطين من الماضي إلى المستقبل الذي سوف تشكله فلسطين بموقعها فينا وموقعنا منها".