لقاء مع متسولة: التسول عن طريق التجول

{title}
نبأ الأردن -

خالد أبو الخير





تحت شجرة ظليلة في قاع المدينة بوسط عمّان، جلست لاستريح من حملي " بضعة اكياس تسوق"، عندما استغربت وجودي هناك، جالساً على المقعد الحجري طلباً لبعض الراحة بعد مسير طويل، فقد نمت ملامحي عن شخص لا ينتمي للمكان.
بادرت السيدة التي تجاوزت الخمسين بشيبات حثيثة، إلى فتح باب الحديث، بكلمات بدت في الشأن العام: الله يعين الناس.. والله الحياة صارت صعبة.
رددت عليها " يفرجها الله". فأحست أن بإمكانها فتح حديث مباشر معي، اقتربت وجلست على المقعد الحجري المقابل لمقعدي، سائلة إن كنت احمل تبغاً.. فهي تريد أن "تعفط"، لأن الحياة قرف، وليس معها ثمن علبة تبغ.
بدت كشخصية انسلت من "بؤساء" فيكتور هيجو، ملامح وجه تكشف قساوة الحياة التي عاشتها، إنما مع قليل من الطيبة والمكر، فقد سعت لتستكشف الشخص الذي يواجهها، لعله يدفع لها بضعة قروش او ربما ديناراً، بتوجيه أسئلة من نوع: ماذا تعمل؟ أين تقيم؟
ولأنني كنت معنياً باستكشاف حالها، ربما بداع الفضول، أجبتها بأقل ما تسمح به الكلمات، وسألتها عن حالها، فقالت "انها تمتهن التسول، والله يبعد التنمية عنا"، واشتكت من الوضع المعيشي السيئ وصعوبة الحياة لدرجة ان المتسولين كثروا والناس التي تتصدق.
وشكت من أنها أم لطفل يعاني من مشاكل صحية، وعلاجه مكلف، "لسبب ما لم أصدقها"، وهي بالكاد تستطيع ان تقيم اوده وأودها "أقل طبخة باتت تكلف.. والله العشرة دنانير لا تكفي لطبخة واحدة لي ولولدي".
رنت للأفق البعيد، وقالت مسترجعة :" الله يبعد التنمية عنا".
قلت: هم ينظمون حملات في شهر رمضان لضبط المتسولين.
قالت: نعم.. يتشددون في رمضان، لذا سأنهج نهجاً جديداً، هو التسول عن طريق التجول؟





قلت: كيف؟
قالت: عادة ما تداهم التنمية المتسولين الواقفين على إشارة ضوئية او مقابل محل من المحلات التجارية، وكثيراً ما يشتكي اصحاب المحلات ويتصلون بالتنمية، لكني لن اقف في مكان لممارسة مهنتي.. بل سأقوم بالتسول وأنا امشي، وحين ارى شخصاً أمد له يدي، وأدعو له ليتصدق علي، ثم أكل طريقي لأصادف شخصاً آخر.
قلت: أعتقد انها فكرة ذكية.. وربما تنجح معك. وأضفت و"أنا أشعر بأنني أتواطأ معها: جربي في مناطق عمان الغربية فربما تكون حظوظك افضل.
قالت: "لا.. المناطق الشعبية والمتوسطة يتصدقون أكثر. عمان الغربية فيها أصحاب الياقات والسيارات الباذخة الذين إذا اقتربت من احدهم سيوبخني لئلا يتسخ هندامه، وربما يتصل بالشرطة بدعوى انني اشكل تهديداً للسلامة العامة. وهم لا يتصدقون أصلاً".
سألتها مباغتاً: هل تعرفين بشر الخصاونة؟
قالت محتدة: من هذا؟ شو بشتغل؟ وليس بتسألني إن كنت أعرفه.. هل تظن أن لي علاقة به؟
قلت: لا.. أستغفر الله أن تكون لك علاقة به، بس خطر السؤال ببالي.
واصلت السيدة ذات الحضور المميز، بملابسها السوداء وشالها المغبر الحديث عن خططها لممارسة مهنتها، والتحايل على طرق التنمية في القبض على المستولين، فيما الجو يتغير والمطر يتساقط رذاذا، حتى نهضت أخيراً لترحل قائلة: هل أجد معك ديناراً ولفافتي تبغ لمشوار الطريق؟
ترى.. هل تدرك التنمية كم يعاني المتسولون في سبيل الهرب من قبضتها؟
وهل يعرف بشر الخصاونة أن السيدة، المتشحة بالسواد، التي جاوزت الخمسين بشيبات حثيثة، والتي تحب أن "تعفط" وتتسول متجولة.. لا تعرفه؟






تابعوا نبأ الأردن على