نص خطبة آخر جمعة قبل رمضان
نبأ الأردن-عممت وزارة الأوقاف والمقدسات والشؤون الإسلامية خطبة الجمعة على كافة مساجد المملكة، بعنوان “كيف نستقبل شهر رمضان”.
وتاليا نص الخطبة:
إن من فضل الله تعالى على عباده أن شرع لهم من العبادات والطاعات ما يقرب العباد الى خالقهم ومولاهم سبحانه وتعالى، ونحن اليوم على أعتاب استقبال شهر رمضان المبارك ، الذي تتضاعف فيه الأجور والحسنات، الفريضة فيه بسبعين فريضة والنافلة بأجر الفريضة، تُغلق فيه أبواب النيران وتفتح فيه أبواب الجنان، وتصفد فيه الشياطين، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يهنئ اصحابه بقوله: « أتاكم رمضان شهر مبارك، فرض الله عز وجلّ عليكم صيامه، تُفتح فيه أبواب السماء، وتُغلّق فيه أبواب الجحيم، وتغلّ فيه مردة الشياطين، فيه ليلة هي خير من ألف شهر، من حُرم خيرها فقد حُرم » رواه النسائي .
فَحُقَّ لنا معاشر المسلمين أن نفرح بهذا الزائر الكريم قال الله تعالى:﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ يونس: 58، وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم إذا أهل هلال رمضان يقول:« اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ علَيْنَا بِالأَمْنِ والإِيمَانِ، وَالسَّلامَةِ والإِسْلامِ، رَبِّي ورَبُّكَ اللَّه، هِلالُ رُشْدٍ وخَيْرٍ» رواه الترمذي، فيستحب للمسلم أن يدعو بهذا الدعاء إذا رأى هلال شهر رمضان لما فيه من الخير والبركة.
وهذه العبادات تحتاج من المسلم الى التفقه بأحكام الصيام، حتى تؤدى العبادات على وجهها الصحيح، ليتحصل المسلم على الاجر الكامل لعبادته وطاعته، فالصوم عبادة وطاعة فرضها الله عز وجل بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ البقرة: 183، فالصيام عبادة وسلوك، فأما العبادة فهي أن يمسك الصائم عن الطعام والشراب من طلوع الفجر الصادق وحتى غروب الشمس، وهذه العبادة لها شروط وواجبات وسنن ومبطلات، فينبغي للمسلم أن يتعلم هذه الأحكام قبل الشروع في العبادة، حتى يحافظ المسلم على صحة صومه، ولا يقع في مبطلٍ من مبطلات الصوم، قال صلى الله عليه وسلم: « مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» رواه الشيخان ، فهذا العلم فرض عين لصحة العبادة.
وكلُّ من بغير علم يعمل أعماله مردودة لا تقبل
وأما السلوك فهو أن تصوم الجوارح عن كل ما حرم الله، فتصوم العين عن النظر الى الحرام، وتتبع عورات المسلمين، وتصوم الأذنان عن الاستماع الى الغيبة والنميمة، ويصوم اللسان عن النطق بشهادة الزور والكذب، وتصوم اليد أن تمتد الى الرشوة والغش والسرقة وأكل أموال الناس بالباطل، قال صلى الله عليه وسلم: « رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر» رواه ابن ماجه ، وقال صلى الله عليه وسلم : « مَن لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ به، فليسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ في أنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ » رواه البخاري، والمفلس عندنا من ليس عنده مال، ومن قلّ ماله، ولكنّ حقيقة المفلس كما قال صلى الله عليه وسلم : « أتدرون ما المفلس؟» قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: «إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار» رواه مسلم ، هذه هي حقيقة المفلس كما وردت في الحديث فهو الهالك والمعدوم، فتؤخذ حسناته لغرمائه، فإذا لم يبق له حسنات أُخذ من سيئاتهم فوضع عليه، ثم ألقي في النار، فتمت خسارته وهلاكه وإفلاسه.
وينبغي على المسلمين في شهر رمضان، أن يستشعروا حال الفقراء والمساكين، ويتلمسوا حاجاتهم، قال تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ المائدة: 2 ، أي ليعن بعضكم بعضاً على البرّ وهو اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الاعمال، قال تعالى: ﴿لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ آل عمران:92، وقال صلى الله عليه وسلم : « المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يسلمه ، ومن كان في حاجة أخيه ، كان الله في حاجته ، ومن فرج عن مسلم ، فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة » رواه الشيخان، فقضاء الحوائج وصناعة المعروف من أجل الاعمال وأرفعها عند الله تعالى، لأنها تدخل الفرح والسرور على قلوب هذه الفئة من أصحاب الحاجة والمعوزين، قال صلى الله عليه وسلم: « أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ ، و أحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ يدْخِلُهُ على مسلمٍ ، أوْ يكْشِفُ عنهُ كُرْبَةً ، أوْ يقْضِي عنهُ دَيْنًا، أوْ تَطْرُدُ عنهُ جُوعًا ، و لأنْ أَمْشِي مع أَخٍ لي في حاجَةٍ أحبُّ إِلَيَّ من أنْ اعْتَكِفَ في هذا المسجدِ ، يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا ، و مَنْ كَفَّ غضبَهُ سترَ اللهُ عَوْرَتَهُ ، و مَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ ، و لَوْ شاءَ أنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلأَ اللهُ قلبَهُ رَجَاءً يومَ القيامةِ ، و مَنْ مَشَى مع أَخِيهِ في حاجَةٍ حتى تتَهَيَّأَ لهُ أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَهُ يومَ تَزُولُ الأَقْدَامِ ، و إِنَّ سُوءَ الخُلُقِ يُفْسِدُ العَمَلَ ، كما يُفْسِدُ الخَلُّ العَسَلَ» اخرجه الطبراني .
اقضِ الحوائجَ ما استطعتَ وكُنْ لهَمِّ أخيكَ فارِجْ
فَلَخيرُ أيَّامِ الفَتى يَومٌ قَضى فِيهِ الحَوائجْ
إن شهر رمضان شهر تجارة رابحة مع الله تعالى، ولذا ينبغي على اخواننا التجار مراعاة حاجات الناس ، وعدم رفع الاسعار، والصدق والامانة، وليتذكر التاجر أنه اذا صدق في بيعه بورك له في تجارته، وحشر مع الانبياء والصديقين والشهداء يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم: « التاجر الصدوق الأمين مع النبيين، والصديقين، والشهداء » رواه الترمذي. فهذه تجارة رابحة مع الله تعالى، لا تقبل الخسارة، فهنيئاً لمن وفقه الله عز وجل لتفريج الكربات وقضاء حوائج الناس، والتجاوز عن المعسرين من المدينين، قال تعالى : ﴿ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ۚ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ البقرة: 280، وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : « كان رجلٌ يدايِنُ الناسَ ، فكان يقولُ لفتَاهُ : إذا أتيتَ مُعْسِرًا فتجاوزْ عنه، لعلَّ اللهَ أنْ يتجاوَزَ عنَّا، فلَقِيَ اللهَ، فتجاوَزَ عنْه »، وفي رواية لمسلم قال :« قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: نَحْنُ أحَقُّ بذلكَ منه، تَجاوَزُوا عنْه »، فنسأل الله تعالى أن يتجاوز عنا وأن يبلغنا رمضان ونحن في صحة وعافية وفي أحسن حال، وأن يعيننا على صيامه وقيامه .
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران:102.
ولا تنسوا قول النبي صلى الله عليه وسلم: من قال: “سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر”، ومن قال: ” لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكُتِبَتْ له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي”، ومن قال: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ﴾ ، ” أيما مسلم دعا بها في مرضه أربعين مرة فمات في مرضه ذلك أعطي أجر شهيد، وإن برأ برأ وقد غفر له جميع ذنوبه”.
سائلين الله تعالى أن يحفظ ولي أمرنا جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمين الحسين بن عبد الله، وأن يوفقهما لما فيه خير البلاد والعباد، إنه قريب مجيب.
والحمد لله ربّ العالمين