عريب الرنتاوي يكتب: اللعب مع الكبار.. أكراد سوريا و"حالة الإنكار"

{title}
نبأ الأردن -

تستشعر تركيا "فائض قوة" تجعلها تندفع لعملية عسكرية في عمق الشمال الشرقي لسوريا، متحدية الرفض الأمريكي والتمنع الروسي.. تركيا تدرك أهميتها الاستراتيجية للقطبين الأعظم في حربهما المحتدمة في أوكرانيا وحولها، وهي تعلم علم اليقين، بأن ليس لواشنطن، وبالأخص موسكو، من الدوافع والمبررات، ما يجعل أياً من العاصمتين بوارد التخلي عن أنقرة أو المقامرة بدفعها إلى الخندق المقابل، لذلك نراها تتهدد وتتوعد غير آبهة بتحذيرات الغرب ولا تمنيات الشرق.
وللرئيس التركي وحزبه الحاكم، مصلحة كبرى في شد "العصب القومي" للأتراك، على مبعدة سبعة أشهر من انتخابات رئاسية حاسمة، سيتقرر بنتيجتها، المستقبل السياسي، وربما الشخصي، للرئيس وحزبه، وهل ثمة من وسيلة أنجع من فتح "الملف الكردي" من أوسع أبوابه، لشد هذا العصب، وضمان "الصوت القومي" إلى جانب الصوت "الإسلامي المحافظ" في الانتخابات القادمة، سيما في ظل اشتداد الضائقة الاقتصادية وتفاقم أزمة الليرة التركية، وتزايد أعباء اللجوء السوري؟ ألم تجرب هذه اللعبة بنجاح في أواسط العقد الفائت، وأعطت أكلها؟
واشنطن تدرك الرهانات التركية وتعرف حسابات أردوغان أتم المعرفة، ومن ضمنها أن الرجل لن يهبط عن قمة آخر شجرة صعد إليها إلا بـ"بعض الحمص"، ولن يرجع خالي الوفاض، فكلفة خيار كهذا صعبة في الاستحقاق الانتخابي، لذا نراها لا تتوقف عن تمجيد الحليف التركي، وتفهّم مصالحه، ولكن دون مستوى المقامرة بوجود شريكٍ كردي، أظهر جدارة في حروبها ضد "داعش" أو ضد النظام السوري وحلفائه من المليشيات الإيرانية، فما هي المعادلة التي ستعرضها واشنطن، ويقبل بها أردوغان، ولا تضع الأكراد بين فكي كماشة فولاذية تركية-سورية-إيرانية، لا ترحم؟
هنا، يمكن القول إن واشنطن، التي كشفت عن انسحابات أجرتها قواتها من بعض المواقع والمناطق الحدودية من جهة، وتقليص، وأحياناً وقف الدوريات المشتركة مع "قسد"، إنما كانت تعرض "إعادة ترسيم" خرائط الانتشار الكردي والتركي في تلك البقعة.. وترسم معالم وحدود "التسويات" و"التنازلات" التي يمكن لواشنطن تقديمها، ودائماً على قاعدة "لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم".
في المقابل، تعمل موسكو، وهي تخوض غمار المنافسة مع واشنطن على ملعب الشمال السوري، على خط آخر، معتمدة القواعد الحاكمة التالية: (1) لا تفريط بالعلاقة مع تركيا، سيما مع اشتداد الحاجة الروسية إليها واتساع مروحة المصالح الروسية معها. (2) لا تفريط بالنظام السوري ولا بالمكتسبات المكلفة التي حققتها روسيا في سوريا. (3) الضغط على الأكراد لتقديم التنازلات لدمشق، بدل استمرار تقديمها لواشنطن، أو الاضطرار لتقديمها لأنقرة مجدداً.
موسكو تقترح قمة تجمع الأسد بأردوغان، الأخير يريدها إن كانت ستساعده على التخلص من عبء اللجوء السوري ومحاصرة أعدائه من الأكراد، والأول يريدها، إن كانت مدخلاً للشروع في سحب القوات التركية من سوريا، ووقف الدعم التركي للفصائل المسلحة في الشمال، بما فيها هيئة تحرير الشام في إدلب.. الفجوة بين الرجلين واسعة، والقمة مطلوبة لحسم هذه الخلافات، وليس لالتقاط الصور التذكارية، القمة مطلوبة لمعالجة هواجس الطرفين، لا هواجس فريق واحد دون غيره.
الأكراد، وهم الطرف الأضعف، الذي أثبت أنه لا يتعلم من دروس تجربة إخوانه في الدول المجاورة، أو حتى من دروس تجربته الخاصة، يعيشون "حالة إنكار"، تمليها عليهم سقوف تطلعاتهم العالية من جهة، وأوهامهم حول الرعاية والحضانة الأمريكية لمشروعهم من جهة ثانية، وسيل التضحيات الجسيمة التي قدموها للوصول إلى ما وصلوا إليه من موقع ومكانة من جهة ثالثة.
هم يريدون جيشاً سورياً "غبّ الطلب"، مطلوب منه أن يدافع عن سيادة سوريا، ولكن لا بأس أن تُخرَق هذه السيادة بوجود قوات أمريكية في تلك الزاوية النائية من البلاد، لم تأت بطلب من النظام بل بالضد منه وفي مواجهته..
وهم يريدون لهذا الجيش، أن يقاتل إلى جانبهم ومن أمامهم وخلفهم، ولكن محظور عليه، أن يعيد انتشاره على طول الحدود مع تركيا، وبعمق 30 كيلومتراً كما اقترحت المبادرة الروسية..هم يكررون الأخطاء ذاتها، التي قارفوها في عفرين وغيرها، ولا يتنبهون إلى فداحة ما قارفوه إلا بعد فوات الأوان.. ومن أسفٍ، فإن الأكراد قد يجدون أنفسهم مرة أخرى، "فرق عملة" في "لعبة الكبار".


تابعوا نبأ الأردن على