د. ماجد الخواجا يكتب: الانامالية الحكومية وعمليات الاجهاز الممنهجة على مؤسسة التدريب المهني !

{title}
نبأ الأردن -

بإعلان تغيير إسم مؤسسة التدريب المهني إلى أكاديمية، فقد تم الإجهاز على تاريخ وطني بالكامل بطريقةٍ معيبةٍ قاصرةٍ تنمّ عن أفقٍ ضيقٍ وضبابية رؤى وجهل حقيقي بمفهوم التنمية والتطوّر الطبيعي.





 لم تحظ المؤسسة برعاية حقيقية ودعم من معظم رؤساء مجالس الإدارة فيها أي وزراء العمل بحكم موقعهم، ولم يكن ذات مرحلة أي مدير عامٍ لها يمتلك القرار أو المقدرة على التغيير الصحيح.





  إن الإدارة العامة التي ما زالت تئنّ تحت وطأة الهيراركية المتخلفة التي تتيح للشخص في أعلى الهرم اتخاذ القرارات المرتجلة والمتسرعة، واحيانا الغبيّة  , دون ان يتحمل مسؤولية هذه القرارات ودون ان يحاسبه احد , الامر الذي  جعل المؤسسات رهينة الفرد الواحد الذي كلما جاء أحدهم، تجيء معه عديد من الأفكار المسلوقة  وربما المشبوهة ، بل هناك من يأتي وهو يحمل ضغينة وحقداً شخصياً على المؤسسة ومن يعمل فيها، فيبدأ رحلة الحفر تحت أساسات المؤسسة من أجل تسريع الإنهيار لها.





      نعم لقد تغيّر العالم وتغيّرت الرؤى والأولويات والاحتياجات، لكن لم نشاهد دولةً مثل دولتنا في طرق الإصلاح الإداري والمؤسساتي وخاصةً ما يدعى بإصلاح القطاع العام. 





فالدول عادةً قبل أن تشرع بالهدم تضع أسساً للبناء الجديد الذي يفترض أنه أمتن وأقوى وأكثر استجابة لمتطلبات الواقع والمستقبل. لكن عندنا نبدأ بالهدم متذرعين بمخرجات لجنة هنا ولجنة هناك وخبير هنا وخبراء هناك، استراتيجية نجتزئ منها الأسهل والأقل ضجيجاً، فنقضم كتف تلك الإدارة، ونقتطع كتف تلك المؤسسة، دون أن يكون ثمة بدائل حقيقية واضحة وفعلية، لتصبح هيئاتنا مشوهة ومريضة ومصابة بالوهن العام والشلل شبه التام.





 هذا بالضبط ما حدث لمؤسسة التدريب المهني، التي تطاولت عليها كافة الحكومات منذ أن خرجت الأجندة الوطنية الأولى تحت شعار " الأردن أولاً " وهي أجندة تتضمن عديد من الرؤى والغايات لكن لم يتم الالتزام بتنفيذها بشكل كامل وشامل، فقد تم اتباع أسلوب الترقيع والتفتيت والتجزئة، وكانت مؤسسة التدريب المهني أول المستهدفين بما سمي بالتطوير والتغيير، وتحت ذريعة عدم موائمة مخرجات المؤسسة مع متطلبات سوق العمل وتحديداً القطاع الخاص، وأيضاً بذريعة إشراك القطاع الخاص، فقد بدأت نذر الإنهيار تلوح في كل قرار كان يجد تنفيذاً له على حساب مقدرات ومشاغل وتجهيزات المؤسسة هدفاً مفضلاً وسهلاً لتحقيق غايات أبداً لم تؤد لأية تغييراتٍ منشودة.





وتمر السنوات وتصبح المؤسسة بمثابة الجسم المشوّه الذي ينتظر إعلان وفاته، لكن لم تجرؤ حكومة على ذلك ليس محبةً في المؤسسة، وإنما ببساطة شديدة، لعدم توفّر البديل أو البدائل الحقيقية التي تستطيع القيام بأدوار المؤسسة التاريخية، وفي المقدمة منها أن المؤسسة أصبحت مخزناً يستوعب كافة الشباب الذين لا حظ ولا فرصة أمامهم في أي موقع آخر، ولا يجدون غير أبواب المعاهد التدريبية المهنية ملجأً لهم وملاذاً وفرصةً أخيرةً. فالمؤسسة بهذا الفهم يمكن اعتبارها مصدراً للسلم الاجتماعي وتخفيض التوترات المجتمعية خاصة مع الربيع العربي الذي كانت شرارته ووقوده الشباب من ىمختلف الأعمار وخاصة ممن لا يجدون فرص عملٍ أو تعليم.





  أي أن المؤسسة حملت عن كاهل الدولة جزءاً كبيراً من عبء الشباب العاطل عن العمل وعن الأمل، عبر تكديسهم داخل معاهد ومشاغل المؤسسة وتدريبهم على بعض المهن قصيرة المدة ومحاولة ربطهم بجهات تشغيليبة هنا وهناك، والغاية الرئيسة كانت تهدئة وتخفيض درجات التوترفي المناطق عالية الالتهاب الاجتماعي.





     كل هذا لم يشفع للمؤسسة أن يتم دعمها وتعزيز أدوارها بصورةٍ ملموسةٍ ومباشرةٍ، بل كان جزاؤهم ك "كجزاء سنيمار " حيث الضحية فيه هي المؤسسة مع كل مقترح أو خطة حكومية أو مبادرة، كان الوزير أي وزير العمل يحمل ملفاته ويعرضها أمام مجلس الوزراء، ولا شيء فيها غير الاستهداف المباشر للمؤسسة بذريعة ربط التدريب بالتشغيل، بذريعة أن المشكلة تكمن في التدريب ومخرجاته، بذريعة أن هناك متطلبات تدعى بالمهارات الناعمة لا بد من تزويد العاطلين عن العمل بها، بذريعة أن القطاع الخاص له احتياجاته التي لا تلبيها المؤسسة، بذريعة أن المانحين يريدون تقديم رؤاهم وخبراتهم وتجاربهم.





 كانت كل تلك الحكايات تؤدي إلى غرضٍ واحدٍ يتمثل في إنهاك المؤسسة وإعلان موتها الفعلي بعد أن عانت من الموت السريري منذ عقودٍ من الزمان.
بكل أسفٍ ووجعٍ فقد ساهم عديد من المدراء العامين للمؤسسة وبعض كبار الموظفين فيها بتسهيل إنهاك وإضعاف المؤسسة بسبب عدم مقدرتهم على رفض ما يجري بحق المؤسسة، أو نتيجة الفائدة الشخصية والنفع قصير النظر الذي يستند إلى مفهوم " الأنامالية" بمعنى أنا وبعدي الطوفان.





أما وزراء العمل الذين تبوؤوا موقع رؤساء مجالس الإدارة في المؤسسة، فقد تراوح أدائهم ما بين وزيرٍ لم يدخل باب إدارة المؤسسة إلا لغايات اجتماع لمجلس الإدارة وربما يكلّف المدير العام بإدارته، وبين وزير تدخل في كافة تفاصيل المؤسسة الصغيرة والكبيرة منها، بين وزير منح المدير العام صلاحية التوقيعين عنه وعن الوزير في اتخاذ القرارات بما يتنافى وبدهيات الحوكمة الرشيدة للإدارة، ووزير أغلق باب مكتبه أمام المدير العام وربطه بموظف سميّ بضابط ارتباط الوزارة مع المؤسسة، حتى أصبحت القصة مجالاً للتندر فيها. ونتابع في الحلقة القادمة.










تابعوا نبأ الأردن على