عريب الرنتاوي يكتب: لافروف في عمان.. سوريا أولاً وليست آخراً

{title}
نبأ الأردن -

تريث الأردن قليلاً قبل استقبال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.. الصراع الروسي – الأمريكي (الغربي) بلغ درجة من الاستقطاب جعلت زيارة عادية، كانت مقررة قبل الاجتياح الروسي لأوكرانيا، موضوعاً على درجة عالية من الحساسية، لكن الزيارة تمت في نهاية المطاف، ومن الجيد لكلا الطرفين أنها أنجزت.
ونقول إن الزيارة جيدة لكلا الطرفين؛ لأنه سبق لهما وأن نجحا في إقامة علاقات وثيقة على المستويين الثنائي والإقليمي، استفاد منها الطرفان، ويشتد احتياجهما لها اليوم أكثر من أي وقت مضى: الأردن لإدارة مصالحه المهددة في سوريا، وروسيا لمواجهة عمليات "التطويق" و"العزل" التي تتعرض لها على الساحة الدولية منذ اجتياح أوكرانيا.
يتمتع الأردن بهامش مناورة حين يتعلق الأمر بسياسته وعلاقاته الخارجية، بيد أنه هامش محدود في نهاية المطاف، يتسع ويضيق تبعاً لما يبديه القطبان الدوليان الحليفان: الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، من مرونة، وما يظهرانه من تفهّم وتسامح؛ فالأردن، من قبل ومن بعد، لا يستطيع المجازفة بعلاقاته مع أكبر مانحين لاقتصاده الوطني الضعيف، وأهم مظلة وشبكة أمان استراتيجي يتوفر عليها.
لكن الأردن في المقابل يدرك أن لديه مصالح عميقة مع روسيا الاتحادية، التي تحوّلت إلى دولة جارة على حدوده الشمالية، أقله منذ أيلول / سبتمبر عام 2015..
وعمان، خبرت بالملموس خلال السنوات السبع الفائتة كم هو مهم وحيوي الإبقاء على قنوات اتصال مفتوحة مع موسكو، إذ لولا التنسيق الأردني الروسي لكان الوضع السيئ في جنوب سوريا أسوأ بكثير مما هو عليه اليوم، ولولا هذا التعاون لما أمكن فعلياً "تفكيك" معسكر "الركبان" على مثلثه الحدودي مع سوريا والعراق، والذي جعلت منه "داعش" ملاذاً لعائلات مقاتليها و"منتجعا" يلوذون به لقضاء "استراحة المحارب".
الغرب يدرك هذا الأمر، ويتفهمه إلى حد بعيد، رغم أن كثيرا من سفاراته في عمان أعلنت الاستنفار على هامش زيارة لافروف لمعرفة ماذا دار فيها وأية نتائج خرج بها، لكن الغرب، مع ذلك، لا يبدي تسامحاً مع قدر أكبر من الانفتاح، لا على العاصمة الروسية ولا على العاصمة السورية كذلك، بدلالة ما آلت إليه مشاريع تصدير الكهرباء الأردنية والغاز المصري إلى لبنان عبر سوريا، بعد إشهار "قانون قيصر".
اليوم، يواجه الأردن "حرب مخدرات" وتهريب أسلحة على حدوده الشمالية، والحاجة ماسة لتنسيق المواقف وتسهيل المفاوضات مع الجانب السوري، ولدى الأردن قناتان لا ثالث لهما لفعل ذلك: إما اللجوء إلى إيران للقيام بهذه المهمة، أو اختيار موسكو كوسيط ومُيسر لهذه العلاقات…
لا مجال للشك بأن الأردن فضل من قبل، ويفضل اليوم، وسيظل يفضل مستقبلاً، القناة الروسية على القناة الإيرانية، سيما وأن إيران بالنسبة لدوائر صنع القرار الأردني جزء من المشكلة وليست جزءاً من الحل.
الزيارة تمت، والتفاهمات أنجزت على متابعة هذه الملفات، وهي أحيلت إلى الجهات المختصة من أمنية وعسكرية أساساً، فهي صاحبة الشأن والاختصاص، والبحث شمل العلاقات الثنائية كذلك، من بينها تزويد الأردن بالقمح الروسي وتسيير رحلات مباشرة بين عمان وموسكو حين تستوفى الشروط لذلك، والزيارة وإن تأخرت إلا أنها نجحت في تسليك قنوات الاتصال بين البلدين على أرفع مستوى، وفي كلا الاتجاهين.
أما حكاية إحياء "الرباعية الدولية" التي فضل الرئيس الفلسطيني إثارتها مع بوتين في أستانا، فالمؤكد أن الأردن لا ينتظر تحقيق أمرٍ كهذا، سيما وأن موسكو بحاجة لوسطاء من العيار الثقيل لتسليك علاقاتها مع الأطراف الثلاثة الأخرى في "الرباعية"، فلا العلاقات مع واشنطن وبروكسل في أحسن حالاتها، بعد أن بلغت أسفل حضيض في التردي، ولم تكن موسكو معزولة يوماً في محافل الأمم المتحدة كما هي عليه اليوم، فكيف لرباعية دولية أن تقوم بدور الوساطة والرعاية لعملية السلام، وهي ذاتها بحاجة لوسيط أو وسطاء بين أركانها ومكوناتها الأربع؟


تابعوا نبأ الأردن على