رشيد عبّاس يكتب: رحلتي مع الإجاص

{title}
نبأ الأردن -

في بداية السبعينات كنا قد قرأنا في الصف الرابع / د في كتاب العلوم عن فاكهة الإجاص, وقد عرّفنا المعلم وقتها رحمه الله على أشياء كثيرة عن تلك الفاكهة الثمينة.. أين وكيف ومتى تزرع؟ وما هي القيمة الغذائية لها؟ وقد جمّلها لنا أيضاً ذلك المعلم من خلال توقفه عند لونها الأصفر وكيف تتوشّح باللون الأحمر على أحد خدّيها حين تنضج, ولتأكيد رواية المعلم وقتها كنا نتعمد التوقف قليلاً عند بعض محال بيع الفاكهة أثناء عودتنا من المدرسة لنتمكن من مشاهدة تلك الفاكهة حيّة, حيثُ لم تكن هذه الفاكهة الإجاص وقتها في متناول يد كثير من طبقات المجتمع الدنيا والوسطى, وذلك نتيجة للوضع المالي المتواضع لتلك الطبقات, ونتيجة لارتفاع أسعارها أيضاً, فقد كانت مرتفعة الثمن ويقتصر شراؤها على الطبقة العليا فقط.





المفارقة الجميلة أنه في امتحانات آخر السنة وفي مادة العلوم بالذات كان من بين الأسئلة التي جاءتنا في الامتحان سؤال من نوع تعبئة فراغات ينص على: ما هو شكل ثمار فاكهة الإجاص...., يبدو أن معلم العلوم رحمه الله وقتها وفي هذا السؤال بالتحديد كان يراعي فيه الطبقة الاجتماعية لمعظم طلبة الصف, حيث أن الإجابة على مثل هذا السؤال تقتضي فقط خبرة النظر والمشاهدة لهذه الفاكهة من خلال الكتاب المدرسي وربما من المحال التجارية دون شرائها وتناولها.





وتحت عنوان الانتقال من فاكهة الأغنياء إلى فاكهة الفقراء, فأننا اليوم ونتيجة للتوسع في زراعتها لم تعد فاكهة الإجاص للأغنياء فقط, بل أصبحت هذه الفاكهة في متناول جميع أفراد الطبقات الاجتماعية الدنيا والوسطى, كيف لا وقد نافست هذه الفاكهة اليوم جميع أصناف الفاكهة الأخرى لتدني سعرها, ومع كل هذا بقيت هذه الفاكهة محافظة على جمال شكلها الجرسي وعلى رائحتها المعطّرة, وعلى مذاقها اللذيذ.





اليوم وبعد أن أصبحت فاكهة الإجاص متداولة نتمنى أن تكون جميع أسئلة العلوم عن هذه الفاكهة, وأن تغوص أسئلتها لتصل إلى البذور الداخلية وإلى شكلها ولونها وطعمها, وأن تكون مواضيع التعبير في اللغة العربية حول لونها الأصفر وكيف تتوشّح باللون الأحمر على أحد خدّيها حين تنضج.





نأمل أن تنحاز بعض أصناف الفاكهة الأخرى كالأناناس والكيوي والأفوكادو وغيرها من الفاكهة الثمينة لفاكهة الإجاص وتتضامن معها وتصبح في متناول يد الجميع, أو أن يتم حذفها من صفحات الكتب المدرسية أمام طلبة الطبقات الدنيا والوسطى.. فهناك طلبة صغار ذكور وإناث من ذوي الأنفس اللوّامة.





في الماضي وبعد أن كانت فاكهة الإجاص ملفوفة بورق ناعم ملون وموضوعة بعناية فائقة في صناديق ذات أحجام صغيرة مسندة في داخل بعض محال بيع الفاكهة ومتكأه تحت المكيفات بأسعار خيالية لا تطاق.. أصبحت اليوم تباع على مفترقات الطرق وبأسعار متواضعة محافظة على قوامها الجرسي الجميل موشّحة بحمرة ربّانية على أحد خدودها الصفراء..





إن تنوع التربة الأردنية يجعل هذه التربة قابلة للتوسع في زراعة جميع أصناف الفاكهة الموجودة في العالم وبشكل تجاري لتصبح في تناول يد الجميع وبأسعار بسيطة, وهذا الأمر يتطلب فقط إدارة زراعية مسؤولة وناظمة.., هذه رحلتي مع الإجاص وربما تتجدد لاحقاً مع كل من الأناناس والكيوي والأفوكادو وغيرها من الفاكهة ذات الأسعار الباهظة.. تلك التي نقرأ عنها في المناهج ونمتحنُ بها ونحصل على درجات كاملة عليها ولا نعرف عن طعمها شيء, كيف لا وتبقى الفاكهة ذات الأسعار الباهظة مُحرَجة أمام بعض الدروس كالعدالة الاجتماعية.





وبعد.., رحلتي مع الإجاص كانت طويلة وشاقة لدرجة أنني أحياناً لا أصدق أنها أصبحت اليوم تباع هنا وهناك. 


تابعوا نبأ الأردن على