عائشة الخواجا الرازم تكتب : وطن على قمة الصبر والحنان

{title}
نبأ الأردن -

نحن في هذا الوطن العميق العريق المسمى بالأردن ، وصاحب التسمية التاريخية المتعمقة بجذور الأديان السماوية، نرتبط بالملكوت والفضاء الرباني رغماً عن أنوف المشدوهين !
فإن للطيب وعراقة المنشأ في هذا البلد الصغير صفات واسعة لا حدود لها ، فيشعر الدارس والقارئ للأردن أنه أمام قارة من الحضور الجغرافي في إنسان .
ففيه الأنصار وفيه المهاجرون وفيه الضيوف وفيه اللاجئون وفيه النازحون وفيه الهاربون (والدخيلون ) ( ليس الدخلاء ، ولكن من الداخلين على الشهامة والنخوة للنجدة ) وفيه الزوار والسائحون والسياسيون والمثقفون والتجار المغروسون من غير أرضه في أرضه ، وفيه الموالون والمعاتبون ، وفيه المغالون بالنقد والتجريح واللامبالاة بتجريح الطيبة فيه ! وفيه المسحجون الدبيكة ، وفيه الواقفون على حدود الصبر والحاملون راية الهوية دون قعود .
وفيه الرافعون شعار عروبتهم بلا كلل رغم أنف الرعاف وهم الجنود .
ونراك يا صديقي ، رغما عن مكنوز سماء أردنك وترابه ونسيم رضا السماء فهو لا ينال رضاك .
تنكش وديانه لتشرب نبع صفائه ، وعندما يجف النبع تردم ثغر نبعه وتلقي على وجهه عقب سيجارتك وتدوس . وتلقي ركام نفاياتك على خديه وتمضي حانقا عليه .
تهب ريح المساء عليك حزينة لفعلك ، فتغضب وتحتج ، ويتطاير شعرك (كالبهلول ) متأففا لمشهد خراب وجفاف نبع الماء حيث شربت منه وفرطت حتى في تركه عل حاله فغسلت رجليك فيه بعدما شربت .
تشرئب عنقك محتجا على حزنه وعقمه عن إنتاج الشراب ، متناسيا أنك من حقنت الماء في حلقه وخنقت في صدره زلال الشراب بفعلك وفعل يديك .
تزمجر رياح شروق وطنك لتوقظك ، فتغفو ولا تفتح عينيك إلا متسربلا بالغروب .وتتغاضى عن الشروق .
تريده لذراعيك المقبوضتين وطنا مطواعا معطاء باذلا وأنت مصفف الشعر ، تاركا شعر رأسه يعتمل بما فعلت يداك وشعره منكوش .
وتتساءل لمن هذا الوطن ؟
فيه أنت ، وأنت لا تدري ، وهو يراك لكنك لا تراه ، فأنت لا ترى دمعه خجلانا من الزائرين يرونه مغطى بمخلفاتك كأنه لا يعنيك ، فأنت دوما تهجس بالسفر والرحيل .وتلقي بالرمم حولك وتدعي أن لا حول لك ولا قوة فيك .
تصحو وتنام وحلمك القادم هو غربة الأيام ، يتلبسك القلق بهاجس الهجير وهجرة طامحة طامعة بغيره .
يستقر ويعشش فيك نزق هجره ومغادرته وإهمال واجبه وأنت فيه ، ولا تتركه على حاله فتنتقم منه بالرفس والدعس والتشويه أمام الله وخلق الله دون ان يرف لك جفن .
تمضي أيامك وقدماك على ثراه ومطمعك في نواياك مغادرته ،
تستصغره فلا يعنيك غسل وجهه ورش عطر زهره على كتفيك .
تراه معفرا بالقاذورات والشروخ والتشوهات ، فتزيد بيديك أنت عليه . وتزداد رغبة بالبحث عن وجه غريب نظيف لتعلن : ما أجمل الغربة وما أنظف مدن أعدائنا !!!
وتتندر على وطن يقف لك على قمة الصبر والحنان !


تابعوا نبأ الأردن على