القاضي المساعدة يقترح تعديلا دستوريا لتوسيع صلاحيات المحكمة الدستورية
نبأ الأردن - كشف عضو المحكمة الدستورية القاضي الدكتور أكرم عارف المساعدة عن عوائق دستورية وقضائية تحول دون قيام المحكمة الدستورية بالمهمة المنوطة بها كاملة، وأن عدم قيامها بدورها المطلوب منها كاملا لا يتأتى من عجز في الإنجاز أو توان في نظر الدفوع المعروضة عليها.
وقال في مقابلة مع وكالة الأنباء الأردنية (بترا) الأربعاء، إن النصوص التي أنشأت هذه المحكمة بحاجة إلى تعديل لتوسيع صلاحيات المحكمة من خلال إزاحة عوائق الإحالة إليها بما يمكن شرائح كثيرة من تقديم طعونها أمامها، داعيا إلى إعادة النظر في النصوص الدستورية القائمة.
وتُظهر وثائقُ المحكمة الدستورية التي أنشئت بموجب تعديلات دستورية عام 2011، إنها أصدرت 35 حكما باسم الملك، و 17 قرارا تفسيريا لنصوص الدستور حتى كانون الثاني 2021.
واقترح المساعدة في ورقة بحثية له نشرتها المحكمة الدستورية، إعادة النظر في المادة 60 من الدستور، وصياغتها على نحو يوسع من نطاق الجهات التي تملك حق الطعن مباشرة أمام المحكمة، متسائلا عن مدى قيام الأخيرة بالدور المأمول منها في ترسيخ الرقابة الدستورية، وتفسير النصوص المعروضة عليها، وعما يحجبها عن دورها الذي أناطه بها المشروع الدستوري وما يريده المجتمع منها.
ويحق الطعن، أمام المحكمة الدستورية لمجالس الأعيان والنواب والوزراء، بحسب الدستور، ويجوز لأي من أطراف الدعوى المنظورة أمام المحاكم إثارة الدفع بعدم الدستورية وفق شروط حددها الدستور والقوانين.
واقترح الدكتور المساعدة تعديلات 3 على المادة 60 من الدستور، أولها إعادة صياغتها على نحو يمكن شرائح عدة من الطعن أمام المحكمة الدستورية كالنقابات المهنية والأحزاب المرخصة والجمعيات والنوادي المشكلة وفقا لأحكام القانون؛ شريطة توافر المصلحة والضرر لدى الجهة الطاعنة.
كما اقترح إجازة إثارة الدفع بعدم دستورية أي نص ورد في قانون أو نظام نافذ لأي من أطراف الدعوى المنظورة أمام أي محكمة نظامية أو دينية أو خاصة، وأن تحيل المحكمة مباشرة بعد تأكدها من جدية الدفع وانطباق النص المطعون فيه على وقائع الدعوى، إلى المحكمة الدستورية.
واقترح المساعدة أيضا، إيقاف النظر في الدعوى من قبل المحكمة الناظرة فيها وإحالتها إلى المحكمة الدستورية في حال تراءى لها أن النص المطبق على النزاع المطروح أمامها غير دستوري.
وقال المساعدة إن هذه النصوص الدستورية المقترحة تستوجب أيضا تعديل قانون المحكمة الدستورية بما يتفق معها، مؤكدا أنها ستنعكس إيجابا على سلامة البيئة التشريعية بشكل عام، وعلى المحافظة وصون الحريات والحقوق الأساسية للأفراد بشكل خاص.
وبين المساعدة أن مجالس الأعيان والنواب والوزراء هي جهات اقترحت القوانين كمشاريع ابتداء من مجلس الوزراء ثم أصبحت قوانين مرورا بمراحلها الدستورية بموافقة مجلسي الأعيان والنواب على مشاريعها، متسائلا "كيف لجهة اقترحت وضع القانون أو النظام أو الجهة التي أقرت هذا القانون أو النظام أن تطعن بعدم دستوريته".
وأشار المساعدة إلى تأكيد خبراء دستوريين بأن الطعن من مجالس الأعيان والنواب والوزراء، وهي جهات يمكنها أن تطعن بدستورية القوانين والأنظمة مباشرة أمام المحكمة الدستورية، سيكون محدودا جدا، لأن القانون -من وجهة نظرهم- عندما وضع كان لتلبية حاجات الدولة والمواطن، أما المواطن والتجمعات والهيئات فهي التي تتحسس عدم دستورية النظام أو القانون لأنه سيطبق عليها.
وقال إن ذلك القانون أو النظام ربما يرتب على عاتق الجهات التي تتحسس عدم دستورية النظام أو القانون تكليفا، أو يأمرها بسلوك فيكون من الأولى أنها الجهة التي ستتولى بالتالي الطعن بعدم الدستورية لأن ذلك النظام أو القانون تعتريه شبهة دستورية من وجهة نظرها.
وأضاف أن المشرع الدستوري حرم في الحالة السابقة، المواطن وهيئات المجتمع المدني من مؤسسات ونقابات وأحزاب وأصحاب مهن من التقدم للمحكمة مباشرة بحق الطعن في حال ارتأت عدم دستورية أي نص قانوني وشبهة ماسة بحقوقه الأساسية، عدا عن حرمان محكمة الدرجة الأولى من إحالة الدفع مباشرة إلى المحكمة الدستورية.
وعن الطعن غير المباشر الذي يبديه أي طرف في دعوى منظورة أمام المحاكم، قلل المساعدة من فرص وصوله لمبتغاه. وقال إن المشرع الدستوري وضع قيدين يعدان تكبيلا لحق الطعن، مع استثناء الطعن أمام محكمة التمييز والمحكمة الإدارية العليا.
ويتمثل القيدان -وفق القاضي المساعدة-، بما وضعه المشرع الدستوري صراحة كجدية الدفع المثار أمام المحكمة، وتتجلى هنا سلطتها التقديرية التي ستخضع لتقديرات العنصر البشري ومدى فهم القاضي لهذه الجدية، ومن بعد ذلك يأتي دور محكمة التمييز التي ستعقب على ما قررته محكمة الموضوع التي لها بكل بساطة أن تقرر بأن الجدية التي قررتها محكمة الموضوع غير متوفرة، ما يحول دون عرض الدفع على المحكمة الدستورية، والقانون الواجب التطبيق.
ويتعلق القيد الثاني بالقانون الواجب التطبيق الذي ابتدعه المشرع العادي وفق ما استقر عليه الفقه والقضاء الدستوري.
وقال إن محكمة التمييز قلما تحيل هذه الدفوع، وهي جهة من الجهات الرافدة للمحكمة الدستورية بالطعون لكن لا يجوز أن تكون الجهة الوحيدة والصمام الوحيد الذي يتجوز في إحالة الطعون.
واتفق أستاذ القانون الدستوري في الجامعة الأردنية الدكتور ليث نصراوين مع ما ذهب إليه الدكتور المساعدة، مؤكدا أن آلية الطعن بعدم الدستورية تحد من قدرة المحكمة الدستورية على بسط رقابتها بشكل أكثر على القوانين والأنظمة، والقيام بالدور الذي أنشئت من أجله بأن تكون سياجا منيعا لأي اعتداء على نصوص الدستور.
وقال إن الطعن الدستوري يصل إلى المحكمة الدستورية إما مباشرة من خلال مجالس الأعيان والنواب والوزراء أو من خلال الدفع الفرعي في قضية منظورة أمام القضاء، موضحا أن الدفع الفرعي بعدم الدستورية أمام المحاكم الأردنية بحاجة إلى رقابة من جهتين قضائيتين قبل وصوله إلى المحكمة الدستورية وهي رقابة محكمة الموضوع ثم محكمة التمييز، فكل من الدستور وقانون المحكمة يلزم محكمة الموضوع بعد التحقق من جدية الدفع المثار بعدم الدستورية أن تحيل الدفع إلى محكمة التمييز لكي تعيد التحقق من شرطي الجدية والمصلحة.
وأكد نصراوين أن المشكلة اليوم تتمثل بأن هذه الآلية في إحالة الدفع بعدم الدستورية قد وردت صراحة في المادة 60/1 من الدستور وإن لم يكن قد وردت الإشارة إلى محكمة التمييز بشكل مباشر.
وقال إن آلية الطعن الحالية تحرم قاضي الموضوع من أن يثير الدفع بعدم الدستورية من تلقاء نفسه، مبينا أن الدستور والقانون قصرا من إثارة الدفع بعدم الدستورية بأطراف الدعوى، ولم ينصا صراحة على حق قاضي الموضوع في أن يثير الدفع مسألة عدم دستورية القانون الواجب التطبيق على الدعوى من تلقاء نفسه على الرغم من أن "الدفع بعدم الدستورية من النظام العام".
وأكد نصراوين ضرورة مراجعة آلية الطعن بعدم الدستورية التي يجب أن تبدأ من تعديل المادة 60/2 من الدستور، ثم عكس التعديل على قانون المحكمة الدستورية.
وحول آلية تعديل الدستور، قال إنها وردت في المادة 126/1 التي اشترطت لتعديل الدستور موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب وثلثي أعضاء مجلس الأعيان، ثم يصادق جلالة الملك على التعديل وينشر في الجريدة الرسمية، مضيفا أن عملية تعديل الدستور تبدأ بتقديم مجلس الوزراء مشروع قانون معدل لتعديل الدستور ثم إقراره من مجلس الأمة.
وقال إن المحكمة الدستورية أصدرت أحكاما عدة خلال الفترة الماضية، وتصدت فيها لمخالفات دستورية في القوانين والأنظمة النافذة، كما أصدرت قرارات تفسيرية لنصوص الدستور، والتي وقفت من خلالها على إرادة المشرع الحقيقية فيما يخص العلاقة بين السلطات وممارسة الحقوق والحريات، مشددا على ضرورة إجراء مراجعة لعمل هذه المحكمة وإنجازاتها من حيث القرارات التي صدرت منها بعد أكثر من 9 أعوام على تأسيسها.
--(بترا)