عريب الرنتاوي يكتب: الأردن وتحدي حفظ "التهدئة" و"الرعاية" معا

{title}
نبأ الأردن -

تجد الدبلوماسية الأردنية نفسها أمام مفارقتين، يصعب الجمع بينهما، حين يتعلق الأمر بحفظ ”الرعاية الهاشمية“ للأقصى والأماكن المقدسة في القدس.. فهي من جهة، تتصدر الجهود الرامية لتعزيز ”التهدئة“ في القدس وأكنافها، بيد أنها من جهة ثانية، تستمسك بحق مكرَّس ومُتوارَث في رعاية المقدسات الإسلامية، دون أن تجد – حتى الآن على الأقل – تناقضا بين المقاربتين.
وهي إذ تفعل ذلك، تعوّل بشكل كلّي، على ما يمكن للدبلوماسية أن تفعله لتحقيق هدفين متناقضين.. لذا نراها تستدعي وزراء الخارجية من أعضاء لجنة المتابعة العربية لاجتماعات طارئة في عمان، وتتحرك على محوري تل أبيب وواشنطن بكثافة ونشاط، وتحشد ما أمكنها من جهود وضغوط من أجل تثبيت التهدئة وحفظ ”الرعاية“.
لكن هذه المساعي ترتطم بقوة بثلاثة جدران صدّ:
أولها أنه ليس في إسرائيل، حكومة ومجتمعا، من هو على استعداد للإصغاء للمطالب والمصالح الأردنية، فإسرائيل تحت حكومة بينت، كما كانت في ظلال حكومات نتنياهو المتعاقبة، تدير ظهرها ”للرعاية“، وتخضع لابتزاز التيار–اليمني -الاستيطاني–الحريدي، والقدس من قبل ومن بعد، هي ”العاصمة الأبدية الموحدة“ لإسرائيل، وفقاً لإجماع مختلف أطيافها تقريباً، وحتى وضعية ”فاتيكان إسلامي“، ليست مستساغة من قبل تياراتها الأكثر تطرفاً.
وثانيها أن ليس لواشنطن، الوقت والاهتمام والإرادة، للعمل على إرغام إسرائيل لتغيير سلوكها، وهي وحدها القوة الأكثر تأثيراً، من بين عواصم العالم جميعها، على مطبخ القرار السياسي والأمني في إسرائيل.
وثالثها: أنها ليست لدى الأطراف العربية والإقليمية، التي تعوّل عليها عمان، من ”دالّةٍ“ على تل أبيب، فضلاً عن كون القضية الفلسطينية، بما فيها مسألة ”الرعاية“، باتت تحتل مكانة متناقصة في سلم أولويات هذه الأطراف، ولا يتخطى الحديث بشأنها، ”المجاملات البروتوكولية“ المعهودة، دع عنك ”التسريبات“ التي تشير إلى رغبة أطراف عربية في مزاحمة الأردن على دور ”الراعي“.
ثمة وضع مستجد في هذا الصراع، يتعين على الدبلوماسية الأردنية أن تدركه وتستثمر فيه.. من قبل، كان الهدف من ”الرعاية“ حفظ المقدسات، ومساعدة الفلسطينيين في حفظ حقوقهم في عاصمتهم المحتلة..
اليوم، بات جيل ما بعد أوسلو ووادي عربة، من أهل القدس والداخل خصوصاً والفلسطينيين في الوطن والشتات بعامة، هم الضمانة لإدامة ”الرعاية“ وحمايتها وتمكينها من أداء دورها.
بهذا المعنى، يتعين على الدبلوماسية الأردنية أن تدرك أنه دون رفع كلفة انتهاك ”الرعاية“ على إسرائيل، دولة ومجتمعاً، لا أمل في استمرارها أصلاً، وهذه مهمة الفلسطينيين المرابطين على أرضهم ابتداءً، دون إعفاء الأردن من دوره في الذود عنها، وإرغام إسرائيل على القبول بمندرجاتها.
لأسباب غير مفهومة، يتحاشى الأردن توجيه ”رسائل خشنة“ لإسرائيل، بأقوال تتبعها أفعال، بل إننا نرى مفارقة في السياسة الأردنية، تقوم على زيادة ”الاعتمادية“ على إسرائيل في قطاعات إستراتيجية كالمياه والطاقة والغذاء (فكرة الخزان الغذائي الإستراتيجي مثلث الأضلاع: الأردن، فلسطين وإسرائيل)، فلماذا يقلق الإسرائيليون والحالة كهذه، ولِم لا يخرج علينا من بينهم، من يهددنا بتحويل الأردن إلى فلسطين، إن نحن تجاوزنا ما يعتقده ”خطوطاً حمراء“ في القدس أو غيرها؟
ومن غير المفهوم كذلك، أن نكون ”رياديين“ في المسعى لاستنقاد ”التهدئة“، دون أن نضمن، وقفاً نهائياً للتعديات والانتهاكات، وتجميداً كلياً للاستيطان الزاحف، وعمليات التهجير في القدس، وتهديم منازل الفلسطينيين..
المواجهة الفلسطينية الشاملة للسياسات الإسرائيلية، وبمختلف الأشكال والأدوات، هي مصلحة أردنية بقدر ما هي مصلحة فلسطينية، وهي الطريق الأقصر لحفظ ”الرعاية“ وتمكينها، وبخلاف ذلك، ليس لـ“التهدئة“ من معنى سوى تمكين إسرائيل من مواصلة سياساتها وممارساتها، التي تستهدف الأردن قدر استهدافها فلسطين، وبأبخس الأثمان.


تابعوا نبأ الأردن على