خالد أبو الخير يكتب : إصبع

{title}
نبأ الأردن -

عادة.. نمر مروراً عابراً بعصفور عابر، بنافذة أشرعت على مطر.. بموت ورحيل. نكتفي بتفاعلنا مع الأشياء بالحدود الدنيا.. دون مشاعر، وننخرط حتى الثمالة في تفاصيل حياة تقف تماما على حافة اللهاث وراء العيش، دون أن يسترعي انتباهنا، ولو لحظة.. لحظة واحدة فقط، أننا غدونا مجرد تروس في ماكينة تدور.. تنتج الزبد والهراء والغبار.





عادة.. لا ندرك أن ما جرى.. ويجري، ملك لنا وحدنا، وأنه سيتحلل فقداناً وخسراناً وسدى، فأي منا "لا يمكن أن ينزل النهر مرتين"*، وأي منا.. لا يقدر أن يوقف النهر؟! ولو التفتنا.. لو امتلكنا الجرأة لأن نلتفت، لاكتشفنا أن كل ما أحببنا غدا طللا في فناء لا يحد.. فلقد "انطفأت النار" *.





عادة.. ننزف في لهاثنا المستمر غباراً لامرئيا يشوه صورنا برتابة وبطء، لنكتشف متأخراً، ككل مرة، أننا لم نعد نحن.. أسوأ مما نحن، أضعف مما نحن، وغرباء حتى العظم: ضالون بلا أمل، نسيل إلى الهمود كما يتقاطر الماء، ولسبب ما، لا نحس بأيما شفقة تجاه أنفسنا.. لو غرس أحدنا إصبعه في الوجود، كما فعل سورين كيكغارد.. فنم عبيره عن اللاشيء، لنم عبير أصابعنا عن نتانة لا تضاهيها إلا رائحة جثة متحللة، ومع هذا نكذب، ونواصل الكذب، ونقتنع بالعيش، بهذه "المجدرة" التي تقدم لنا باسم العيش، دون.. حياة.





طوبى لنا، طوبى لضلالنا ولهاثنا وانتظامنا في قطعان الصالحين، القانطين، المستسلمين.. أولئك الأبرار، ذوي الحياة البكر لأنها لم تمس، لانهماكهم في الجد والطاعة وتعليب الغبار ومدح المسوخ الباردة و.. الهرولة.





عادة.. ننسى أننا منذ ألغينا صداقة الزوابع ما عدنا نكترث بشموخ الجذوع اليابسة، لأننا غدونا رغماً عن جميع أكاذيبنا، جذوعاً يابسة ومشروع احتطاب.









إلى الجحيم بهذا العيش.. بهذه الهرولة، ومقتضيات المواطنة الصالحة بالطبع. أوقفوا الترس .. أريد أن أقفز.









*هيراقليطس





*إيف بونفوا


تابعوا نبأ الأردن على